عايشتُ الرمل طويلاً "مدجّناً" في المباني والطرق والجسور. وداعبته أليفاً على تلال صغيرة أمام ورش البناء ومتراخياً على شاطئ البحر. لكنّي لم أتصوّر يوماً أنه سيشكّل الحجر الأساس لصناعة الإلكترونيات، التي هزّت العالم وقلبت مفاهيم، على شكل حبيبات ضئيلة في الصغر من الرمل المنقّى سمّوها "سيليكون". "جيتكس 96" شكّل المناسبة الأولى التي قابلتُ فيها الرمل المتوحّش المترامي على مساحات شاسعة، سمّيت في ما مضى "مفازة". وفيه يخال المرء نفسه أمام "بانوراما رملية" غريبة التكوين، إذ يرى فيها رمل الصحراء متعايشاًً مع الاخضرار ومدجّناً في العمران ومتراخياً على الشاطئ ومرصوصاً في الأدوات التكنولوجية، ضمن إطار واحد. وهذه السنة، يحتفل المعرض بذكرى مرور عشرين عاماً على انطلاقه. مدة طويلة، توسّع المعرض خلالها حجماً ما استدعى نقل سوق الكومبيوتر إلى مركز المعارض في مطار دبي، وعلا مقاماً فبات ثالث أكبر معرض لتكنولوجيا المعلومات في العالم مباشرة بعد "كومدكس" الاميركي و"سيبيت" الألماني. كذلك أثمر نجاحه وعراقته حدثين بارزين في المنطقة هما "جيتكس القاهرة" العام الماضي، و"جيتكس - ترميوم" الحديث العهد في لبنان. وكل سنة، يشهد "جيتكس" نمواً في أرقام العائدات وزيادة في أعداد المشاركين وتقاطراً أكبر للزوّار وتزايد الطلب على آخر المنتوجات والخدمات. في مقابل ذلك، واقع يعجّ بالمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتفاقمة، وعجز عام عن التواصل والانفتاح - خارجياً وداخلياً - وعن مجاراة وتيرة التطور وإخفاق في نشر الثقافة التكنولوجية ومعارفها بين شرائح، ولو محدودة، من المجتمع العربي. وكل ذلك يؤثّر سلباً في منحى التطوّر الذي يمثّله هذا المعرض الكبير في المنطقة. وعلى عتبة الألفية الثالثة التي ستترسخ فيها أسس العصر الرقمي وتتطوّر مفاهيمه، ولئلا تصبح الأحداث المعلوماتية ومن تمثّلهم وما تمثّله في واد، والواقع في واد آخر، أتمنّى على "جيتكس" القدوة محاولة الخروج من هذا المنوال الذي ربما آل به بعد حين إلى استقرار... فهمود. فزخم "جيتكس" لن يأتي بعد الآن من سوق غدت مشبعة قياساً إلى النوعية الفعلية لاستخدام الأدوات التكنولوجية. وعدد الأجهزة المبيعة، مهما تزايد فعلاً، لا يدلّ إلى حسن استخدامها في الواقع. ثم أن توافر الوسائل والأدوات لا يعني القدرة على استخدامها. فها هي مسألة "تداول المحتويات" تطرق باب التجارة الإلكترونية الواسع وتطل علينا بأدوات جاهزة للاستخدام. ولكن، أي محتويات ستوضع في التداول، وهل تكفي نوعيتها وقيمتها وكمياتها لتغطية أكلاف النُظم والعتاد؟ وعلى أمل أن تنجح "مدينة دبي للأنترنت" في تحقيق أهدافها، يبدو أن الأمل الجديد معقود على معارض وأحداث معلوماتية أكثر واقعية، ولو كانت أقل تقدّماً. ز. م