ما حدث "للحالة" الفضائية العربية تعليقاً على الأحداث التي تجري في الأراضي المقسمة، أمر محزن وغريب. الكل يريد فتح الحدود. من رئيس أرض قصية، الى طفل هرب من مدرسته المصرية، ووجدوه على حدود الأرض "المشكلة" بيده حجر منتظراً فتح الحدود. ونشاهد الكل على شاشات التلفزيون، يصرخون من أجل الشهادة: افتحوا الحدود... افتحوا الحدود. والأكثر صراخاً شاعر المدينةالمنورة عبدالمحسن حليت مسلم: "يا من تساقطت الرؤوس امامكم ووصلتم الإعصار بالإعصار واستشهدت حتى "الحجارة" عندكم وجيوشنا في حانة الخمار حتى المدافع والبنادق أصبحت محشوة بالجبن والكافيار!!" تأثرنا أنا وزوجتي بهذا الصراخ العظيم، وقررنا أن نسمع صوت أم كلثوم وهي تصدح بأغنيتها الشهيرة "للصبر حدود". وصرنا أنا وزوجتي، وأم كلثوم، وباقي الناس نصرخ "للصبر حدود، افتحوا الحدود". ولكن لا أدعو بالضرورة أحداً، ليشاركنا هذا الصراخ وتلك الأغنية بل أقرأ في سيمفونية "عالم الأثنولوجيا والسياسة والفلسفة" "لجوزيف بستياو: "أما بالنسبة للعنف الذي يعلو صوته بالاحتجاج، فإنه لا يعد تحدياً للقانون أو إنكاراً للواقع، بل هو بالأحرى التقسيم الأزلي بين الخير والشر، إذ إن الخط الفاصل بينهما يرسم لكي يلائم الغرض الذي يمارس العنف من أجله. وعلى رغم أن عنف الإرهابيين غالباً ما يبحث لنفسه عن مبرر أو أسس استراتيجية، قد يكون لها وجود في بعض الأحيان، إلا أنه قد يحاول أيضاً الاعتماد على الإيمان المطلق بعدالة القضية التي يدافع فيها، وكذلك على الدمغ المطلق للطرف المعادي. وعلى رغم أن الهدف قد يكون هدفاً لا مناص منه، إلا أنه مع ذلك يكون بمثابة النور الذي يبدد الظلام. وتؤدي الطبيعة السامية التي تميز النضال الى تبديد كل الشكوك في النتائج والاعتبارات الخاصة بالتضحيات". ويقول: "ويخفي العنف في بعض الأحيان رغبة في الموت الى جانب الرغبة في القتل. فالأخيرة تعني القضاء على الآخرين، ولكنها قد تعبر أيضاً عن الغربة في الحياة من ناحية في حين أن رغبة الموت تمثل ناحية أخرى تعبيراً عن تضاؤل الدنيا، وعن دافع للاكتفاء بما ناله من حياة. فالمحارب من قبائل يانومومي مدفوع بأنماطه الحضارية الى إثبات ذاته بصورة نرجسية في العراك. ولكن قد يبلغ درجة من التعب من استسلامه لمثل هذا القيد، يجعله يحارب لا من أجل النصر، ولكن على أمل إنهاء حياته. وهو يرحب بذلك على أنها هي مبلغ الراحة التي يأمل أن يحققها المحارب اليانومومي من دون أن يفقد ماء الوجه". وأخيراً يقول بستياو: "إن العنف أولاً وقبل كل شيء مظهر للرغبة التي ترفض تأجيل المتعة وترفض الحلول الوسط والتسويات التي يتطلبها الواقع والقانون". * كاتب سعودي.