نحن في الزمن الصعب، هذا صحيح، فباب السلام مغلق مع وجود هذا النمط من القيادة الإسرائيلية العاجزة بالمطلق عن مد النظر الى أفق أبعد، فهي تتكوم حول نفسها، حول جنون الاستيطان وجنون التطرف والعزلة وعربدة القوة، وإسرائيل اليوم يحكمها حثالتها وهم المستوطنون الذين يسرقون أرض غيرهم من الفلسطينيين، ويقتلون أولادهم حرقا، ويرقصون رقصة سوداء مكتظة بالكراهية حول الجثث المحروقة -مثلما جرى مع عائلة الدوابشة- ثم يرتعبون إلى حد الصدمة بأن الشعب الفلسطيني مازال موجودا ويمارس الحياة والأمل. وباب المصالحة الفلسطينية مغلق، والعمل العربي مرتبك لأن الأزمات تراكمية أما قيادة النظام الدولي فبابها مغلق، لأن الخلافات على الحاضر والمستقبل أكثر من أن تعد وتحصى، والنظام الدولي الراهن يواجه ظاهرة الإرهاب وظاهرة الهجرة والاتجار بالبشر وظاهرة التغيرات المناخية التي تهدد الحياة البشرية دون الحد الأدنى من الاتفاق حتى الآن. إنها الأبواب المغلقة، ونحن في فلسطين مثل غيرنا مع خصوصية في حجم الصعوبة ننقسم إلى فريقين، فريق الصارخين أمام الأبواب وهاهم يعرفون أن الصراخ لا يفتحها، وهذا الصراخ هو الأعلى صوتا بطبيعة الحال، بل إن بعض هؤلاء الصارخين وصل بهم الاندماج في الدور لدرجة أنهم يتوهمون أن صراخهم هو الحل!، وهذا ليس استثناء في التاريخ الإنساني، فاليهود صرخوا عند حائط المبكى أكثر من ألفي سنة إلى أن جاء صحفي يهودي ذكي وهو تيودور هيرتزل، ودلهم على الطريق عبر رؤية الواقع من حولهم، ولكن بعضهم أدمنوا الصراخ والبكاء حتى الآن فصار الصراخ هو القضية بحد ذاته. وأذكر المثقفين بصراخ الصارخين في مدينة «أرجوس» التي ابتدعها الفيلسوف الفرنسي سارتر في روايته الشهيرة «الذباب أو الندم» وإدمان الفرنسيين للجلوس حول المقصلة في باريس لكي يشاهدوا قطع الرؤوس. لا بد من وسيلة لفتح الأبواب المغلقة، قد تكون الوسيلة هي عبقرية الصبر والصمود، وقد تكون الطريقة فعلا نضاليا يناسب الزمن السياسي الذي نحن فيه تماما مثلما فعلنا حين استبدلنا البندقية بالحجر في الانتفاضة الأولى!!. الشعوب لا تعجز، لا تكل ولا تمل، هي التي تخترع حياتها من جديد حين يضيق عليها الخناق، فقط ارفعوا أيديكم أيها الصارخون، فمصالحكم ليست نهاية العالم، وبقايا أفكاركم القديمة ليست نهاية التاريخ، والشعب الفلسطيني صنع قيامته في ظروف أصعب ولن يعود إلى الموت أبدا.