اعتبر المراقبون في موسكو ان الوساطة التي عرض الكرملين القيام بها في يوغوسلافيا، مؤشر أكيد على ان روسيا لم تعد تعتبر سلوبودان ميلوشيفيتش حليفاً تؤيده ظالماً كان أم مظلوماً. ورأى ديبلوماسي روسي تحدثت اليه "الحياة" ان دعوة الرئيس فلاديمير بوتين ميلوشيفيتش وخصمه فويسلاف كوشتونيتسا الى المجيء الى موسكو، هي ثمرة اتصالات مكثفة اجراها الرئيس فلاديمير بوتين مع قادة أوروبيين بينهم المستشار الألماني غيرهارد شرويدر الذي تربطه به علاقات وثيقة منذ كان الرئيس الروسي يعمل ضابطاً في الاستخبارات السوفياتية في المانيا. إلا ان القراءة المتأنية لرسالة الرئيس الروسي الى القيادة اليوغوسلافية الحالية، تظهر أىضاً ان موسكو لا تريد ان تحرق كل الجسور، اذ ان بوتين تحدث عن "مرشحين تأهلا للجولة الثانية"، ما يعني اعترافاً ضمنياً بصحة نتائج الجولة الأولى. وأكد الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الكسندر ياكوفنكو ان دعوة لجنة الانتخابات الى جولة ثانية تستند الى نتائج الاقتراع الأولي والى الدستور. وعلى رغم اشارته الى ان أحزاباً سياسية لم يحددها، تدعو الى التأكد من صحة فرز الأصوات إلا انه قال ان هذه الأحزاب "لا تنكر ضرورة الجولة الثانية". أي ان موسكو تكسر وتجبر، ولا تريد "ازعاج" حليفها السابق في بلغراد لكنها في الوقت ذاته لا ترغب في الوقوف ضمن التيار الأوروبي - الأميركي المطالب بتنحي ميلوشيفيتش فوراً ومن دون جولة ثانية. وسارع السفير اليوغوسلافي في موسكو بوريسلاف ميلوشيفيتش الشقيق الأكبر للرئيس اليوغوسلافي الى رفض الوساطة الروسية وقال ان "لا مبرر لها". وشدد السفير الذي يعد من ابرز أعضاء "المطبخ" الذي يصنع قرارات ميلوشيفيتش على ان بلغراد مصممة على اجراء جولة ثانية من الانتخابات. ولم يستبعد ان تستخدم السلطات القوة إذا بدأت المعارضة اعمال عنف". وسيناريو العنف هو أخطر ما يخيف موسكو، اذ شدد بوتين في رسالته على ضرورة تفادي "مواجهات مباشرة يصعب التكهن بعواقبها". ويخشى الكرملين من ان يدفع الصدام في يوغوسلافيا حلف شمال الأطلسي الى التدخل ويجعل موسكو في موقف حرج، فهي عاجزة عن مواجهة الغرب، غير انها لن تستطيع التزام الصمت في حال اندلاع حرب جديدة في البلقان. وأبلغ ديبلوماسي روسي "الحياة" ان سياسة موسكو حالياً تتمثل في "رفع العتب" سلفاً فهي تقدم اقتراحات قد يرفضها ميلوشيفيتش فيعطي الكرملين مبرراً للكف عن دعمه. أما اذا قبلها فإن روسيا ستلعب دور صانع السلام خصوصاً وان كوشتونيتسا ينتمي الى الجناح المعتدل الذي يقيم علاقات قوية مع الغرب، لكنه لا يريد ان يقطع كل الخيوط مع موسكو.