كانت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى التي استمرت ست سنوات إلى أن حلت محلها اتفاقات أوسلو، نضالاً يومياً متصلاً وتضحية بالدماء سعياً إلى التحرر من الاحتلال الإسرائيلي، لا حباً للعنف ولا استهتاراً بالحياة. ومنذ توقيع اتفاق أوسلو في العام 1993 وتبادل منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل الاعتراف كل منهما بالأخرى، اكتشف الفلسطينيون أن إسرائيل تجرجر أقدامها في السير نحو الغاية التي حسبوا ان الجانبين يسعيان إليها معاً: الأمن والسلام للشعبين، والاستقلال للشعب الفلسطيني على جزء صغير من وطنه التاريخي في الضفة الغربية وقطاع غزة. الآن، بعد سبع سنوات على أوسلو، جاء تدنيس مجرم الحرب ارييل شارون الحرم القدسي الشريف في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، بمثابة صاعق تفجير للغضب الفلسطيني المتراكم، ولخيبة الأمل الكبرى التي أعقبت قمة كامب ديفيد الفاشلة التي تجلى فيها الانحياز الأميركي الأعمى لإسرائيل. بعد سبع سنوات على أوسلو يرى الفلسطينيون المستوطنات اليهودية وهي تتسع وتتكاثر على أراضيهم، ويحسون يومياً بأنهم باتوا موزعين ضمن معازل جغرافية مطابقة في مواصفاتها لل"بنتوستونات" في عهد الابارتايد في جنوب افريقيا... معازل يطوق جيش الاحتلال الإسرائيلي كلاً منها ويفصلها بعضها عن بعض، ويغلقها متى شاء ويفصلها كلها عن محيطها العربي ويسد منافذها إلى مصر والأردن. في هذا الوضع المذل الجارح للكرامة الإنسانية، والذي لا يسمح للفلسطينيين بأي قدر من الاستقلال الاقتصادي أو الانفتاح على العالم الخارجي بحرية، لا يمكن أن يشعر الفلسطينيون بالأمان، بل يشعرون بأنهم مهددون من كل ناحية... أراضيهم تصادر لبناء المستوطنات وشق طرق "التفافية" فيها لا يسلكها إلا اليهود، وبيوتهم تهدمها قوات الاحتلال، وبضائعهم الجاهزة للتصدير أو المستوردة توقف عند الحواجز الإسرائيلية حتى تفسد، وعمّالهم يعانون من اغلاق البوابات أمامهم. الحقيقة اليوم هي أن الشارع الفلسطيني في حالة غليان، فالإسرائيليون يتصرفون بعقلية عنصرية كولونيالية تجاه المواطنين الفلسطينيين، ويريدون ابقاءهم تحت احتلال يسد آفاق الطموح إلى التحرر. وهكذا لم يكن مستغرباً أن كل التنظيمات والفصائل الفلسطينية من دون استثناء، أعلنت فور إعلان نتائج قمة شرم الشيخ أن تلك القمة فشلت في قراءة المطالب الفلسطينية. ذلك أن المطلوب فلسطينياً ليس العودة إلى الوضع الذي كان سائداً قبل 28 أيلول سبتمبر، فهو وضع كان في غاية السوء والعودة إليه كريهة غير محمودة. وكل ما يريده الفلسطينيون، إذن، هو التحرر من الاحتلال تحرراً تاماً. لقد وحدت انتفاضة الأقصى الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع ومناطق ال48 ولبنان وبقية المهاجر، ورافقتها مظاهر التضامن الشعبي في أنحاء الوطن العربي والعالم الإسلامي. يبقى أن تبلغ قرارات القمة العربية المقبلة مستوى أفضل من ذاك الذي كشفه الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، وقطعاً أفضل من مستوى نتائج قمة شرم الشيخ التي قال الرئيس المصري حسني مبارك إنها "قد لا ترقى للنتائج التي توقعتها الشعوب".