الحلقة الماضية من برنامج "الاتجاه المعاكس" في قناة "الجزيرة"، كانت مثيرة وشيقة ومهمة وتاريخية بكل المقاييس. والإثارة لم تأت من تغيير طبيعة البرنامج الشهير، باستضافته شخصية سياسية مهمة ومثيرة للجدل، هي الرئيس معمر القذافي فحسب، وإنما لأن الرئيس الليبي فجر قنبلة سياسية وقرأ للمشاهدين المسودة المقترحة للبيان الختامي للقمة العربية الطارئة، وقدم صورة حية للأسلوب الذي يتم فيه "سلق" البيانات الختامية للقمم العربية، وكشف قدرة العرب على صوغ أفعال ماضية لأحداث مستقبلية، الله وحده يعلم كيف ستقع. رد الفعل الرسمي العربي على "الاتجاه المعاكس" للعقيد القذافي، جاء على لسان وزير الخارجية المصري عمرو موسى الذي انتقد اسلوب إعلان المسودة، معتبراً أنها مجرد مشروع بيان غير ملزم، وليس مفترضاً نشرها قبل أن تناقش وتقر. ولو أن السيد عمرو موسى تريث قليلاً وفكر فلربما غيّر رأيه، وامتنع عن انتقاد نشر مسودة البيان المرتقب. فالنتيجة التي وصلت إليها قمة شرم الشيخ، ورد الفعل الغاضب على بيانها الختامي المجحف بحق الفلسطينيين، والهامش السياسي الضيق المتاح للقمة العربية المرتقبة، والقرارات التي يمكن أن تتخذها في ظل الضعف العربي، كلها مؤشرات تؤكد أن العقيد القذافي خدم الزعماء العرب بإعلانه ملامح البيان الختامي المنتظر، لأنه كفاهم شر غضب الشارع العربي المتوقع على نتائج القمة الطارئة. الأكيد أن القذافي حرمنا متعة مسلسل القمة، لأنه من خلال ال"بروفة" المجانية التي عرضها على شاشة قناة "الجزيرة"، كشف حبكة القمة وأفسد علينا الاستمتاع بخيبتنا المتوقعة، لذا نتمنى على وزراء الخارجية أن يقترحوا جعل المؤتمر "أوبن إند" أي ذا نهاية مفتوحة، فيجتمع الزعماء وينفضون من دون بيان ختامي لأن القمة ستبقى منعقدة إلى أن يتم القضاء على جميع الفلسطينيين، وبهذا يقع القذافي وفيصل القاسم في شر أعمالهما.