ليس سراً ان الشارع الفلسطيني والعربي والإسلامي يعارض قمة شرم الشيخ، وان الرئيس عرفات ذهب اليها مرغماً تحت ضغط الولاياتالمتحدة وأوروبا وبعض الدول العربية. وبعد ان كانت قمة كامب ديفيد قبل ثلاثة اشهر فقط تحاول الوصول الى تسوية نهائية للنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي، فإن قمة شرم الشيخ ستعتبر ناجحة اذا توصلت الى اتفاق على وقف اطلاق النار. والطرفان الفلسطيني والاسرائيلي يريدان وقف اطلاق النار، ولكن لكل منهما شروطاً تعكس اهتماماته، أو ما يوجعه، فالاسرائيليون يريدون اعادة سجن رجال حماس والجهاد الاسلامي الذين اطلقتهم السلطة الوطنية، والفلسطينيون يريدون عودة القوات الاسرائيلية من المواقع التي احتلتها خلال أعمال العنف، ورفع حالة الحصار عن المناطق الفلسطينية، وفتح مطار غزة. غير ان نقطة الخلاف الأساسية حول وقف اطلاق النار ستظل لجنة التحقيق في أعمال العنف، فأبو عمار يريد لجنة دولية، وايهود باراك يفضل لجنة لتقصي الحقائق برئاسة الاميركيين. الموقف الاسرائيلي وقح بشكل غير مألوف، حتى من الاسرائيليين، فمنذ ثلاثة اسابيع تقريباً وباراك يتهم أبو عمار بالمسؤولية عن أعمال العنف، وهو مع ذلك يرفض تشكيل لجنة تفضح مسؤولية الرئيس الفلسطيني وتدينه، اذا كانت التهم الاسرائيلية الموجهة اليه صحيحة. ثم ان أعمال العنف امتدت الى داخل اسرائيل، وقتل فلسطينيون من أهالي 1948، وهؤلاء لا يملك أبو عمار نفوذاً مباشراً في أوساطهم، واسرائيل نفسها لا تزعم أنهم تظاهروا بتحريض من السلطة الوطنية فمن المسؤول عن ثورة هؤلاء وقتلهم؟ ويصعب في وجه هذه الوقاحة الاسرائيلية توقع النجاح، ومع ذلك فالولاياتالمتحدة ومصر ألقتا بثقلهما وراء المؤتمر، والأولى تستطيع الضغط على اسرائيل، والثانية على السلطة الوطنية، وكلاهما يعرف ان عدم الاتفاق يعني ان ينفجر الوضع في الأراضي الفلسطينية، مع احتمال ان تنفجر المنطقة كلها بعد ذلك، فضغط الشارع العربي لا يترك مجالاً للطلوع بتفسيرين، أو احتمالين، لتوجهات هذا الشارع. وهكذا، فإذا لم يتفق على عودة الأوضاع الى ما كانت عليه في 29 من الشهر الماضي، كما يريد الفلسطينيون، فإن عملية السلام، بشكلها الحالي، ستنتهي نهاية لا قيام بعدها. وهي اذا ماتت فلن يبكي عليها الفلسطينيون لأنهم وجدوا ان اسرائيل بعيدة جداً عن الحد الأدنى الذي يمكن ان يقبلوا به، وانها لا تزال تعتقد انها ستجد مفاوضاً فلسطينياً يتنازل عن الحرم الشريف. ثم ان أحداث هذا الشهر في المناطق الفلسطينية، وايضاً في لبنان، اقنعت غالبية فلسطينية، بأن الأسلوب الآخر أفضل. هذا الأسلوب هو اسلوب حزب الله الذي أدت مقاومته المسلحة الى انسحاب اسرائيل من جنوبلبنان، ثم خطف الحزب ثلاثة جنود لمبادلتهم بالأسرى اللبنانيين والفلسطينيين في السجون الاسرائيلية، وزاد قبل يومين صفعة مدوية الى اسرائيل بخطف ضابط احتياط اسرائيلي من سويسرا. وخلا الرد الاسرائيلي على خطف الضابط من منطق، الا انه لم يخل من وقاحة كبيرة من نوع اتهام أبو عمار بالمسؤولية عن أعمال العنف ثم رفض تشكيل لجنة لتحديد المسؤولية. هذه المرة قال باراك ان الخطف جرى "بأسلوب المافيا" وان اسرائيل "تعرف كيف ترد". كنا رأينا مدى معرفة اسرائيل بالرد بعد خطف الجنود الثلاثة، أما اسلوب المافيا، فإذا كان طرف استعمله، وشجع الباقين على استعماله، فهو اسرائيل نفسها التي خطفت مواطناً منها هو موردخاي فعنونو، وغيره كثير، كما أرسلت قتلة الى أوروبا وبقية العالم على طريقة المافيا لاصطياد خصومها، حتى ان جواسيسها في حماستهم قتلوا مرة مواطناً مغربياً في ليلهامر بالنروج خطأً. وبما ان الوقاحة الاسرائيلية لا تعرف حدوداً، فقد اتهمت المخابرات الاسرائيلية التي تتخبط بين فشل وفضيحة، ايران بتقديم مساعدة مالية ولوجستية ودبلوماسية لتنفيذ عملية خطف الضابط من سويسرا. وكان يمكن ان تجد المخابرات الاسرائيلية من يصدقها لولا انها لم تعرف اسم المخطوف، بعد تصريح الشيخ حسن نصرالله، أو مكان خطفه، وعندما عرفت قررت فوراً ان ايران وراء خطفه. أرى كمواطن عربي انه اذا نجحت قمة شرم الشيخ كان خيراً، واذا فشلت فلن أبكي عليها، فالنجاح سيعني حفظ أرواح الناس، والفشل سيجعل باراك يعود الى اسرائيل لتشكيل حكومة طوارئ، أو وحدة وطنية، هي في الواقع حكومة حرب، مع مجرم الحرب اريل شارون. وهكذا تكشف الحكومة الاسرائيلية عن وجهها الحقيقي الذي اختفى طويلاً وراء بسمة باراك الزائفة، فكلهم أريل شارون، الا ان بعضهم يلبس قناع الاعتدال.