للمرة الأولى تفجرت المشاعر العمانية صاخبة هذه المرة وتجاوزت الهدوء المعروف عن الشخصية العمانية الى حال من الغضب العارم الذي لم يكتف بمظاهرة معتادة داخل الحرم الجامعي بل تجاوز ذلك مكانياً الى الشوارع وفي كل مدن عمان، وتجاوز ذلك زمانياً بتواصل الاحتجاجات لأكثر من أسبوع، وتجاوز الأمر شعورياً من مجرد الاكتفاء بالسير السلمي الى حرق العلم الاسرائيلي والاتجاه لأكثر من مرة الى السفارة الأميركية قبل ان توقف الشرطة المسيرات التي أريد لها ان تكون في نطاقها السلمي، علماً ان السفارة في مسقط أغلقت ضمن سفارات اخرى في الدول العربية، وهذا ما اعتبره صحافي اقرار من الولاياتالمتحدة أنها مسؤولة مع اسرائيل عن ما يحدث من مجازر في القدس. وللمرة الأولى انعكس الغضب الشعبي على الصحف المحلية التي كانت قبلها لا تنوه بالتظاهرات التي تقوم بها جامعة قابوس عادة ومنها الاحتجاج على الحصار المفروض على العراق، لكن مع ثورة الأقصى وجدت الصحافة ووسائل الاعلام نفسها تساير الحدث مع الصور في الصحف وبالخبر مع اللقطات في التلفزيون. وهذا ما لم يكن يتصوره احد قبل ثورة الأقصى. أوجدت هذه المسيرات ردود فعل قوية تمثلت في الاعجاب بهذه الجرأة التي عليها فئة الشباب خصوصاً من الطلبة، وفي فرض مفردات جديدة على الشارع العماني الذي، وبموجب القانون، فإن التظاهر من الأشياء المحرمة، لكن انتفاضة الأقصى باركتها الحكومة على المستوى الشعبي وتوج ذلك بأوامر مباشرة من السلطان قابوس بفتح باب التبرعات وقامت بنوك عدة بفتح حسابات خاصة لدعم الانتفاضة وعملت وزارة الصحة والجهات المعنية على ارسال معونات عاجلة الى مواقع السلطة الفلسطينية في وقفة أفرحت فئات المجتمع العماني، كما قامت الهيئة العمانية للأعمال الخيرية بحملة اعلانات مكثفة تدعو اهل الخير لدعم اخوتهم في فلسطين. بدأت جامعة قابوس أولى المسيرات داخل حرم الجامعة يوم الثلثاء الثالث من تشرين الأول اكتوبر. وعلى رغم الابتهاج النفسي الذي صاحب العمانيين بهذه الخطوة ومنها حرق العلم الاسرائيلي الا ان مسيرات اليوم التالي من طلاب كلية الشريعة والقانون والكليات الخاصة غيرت الرؤية فاخترقت شوارع مسقط وعطلت المرور في مدينة من النادر ان تجد ازدحاماً في حركة السير طلبة يهتفون وينضم اليهم المشاة، ولافتات "لا لإسرائيل ونعم وألف نعم للقدس"، و"تعيش القدس وتسقط اسرائيل" و"الموت للصهاينة". وبالنسبة للشرطة فانهم ساروا مع التظاهرات لحفظ الأمن العام وعدم دخول مشاغبين يخرجون التظاهرة عن الهدف السامي الذي سارت من أجله. وتواصلت المسيرات بشكل يومي وأصبح من ضمن الواجب على الكليات والمدارس الكبيرة ان تثبت قدرتها على السير احتجاجاً خصوصاً بعد مقتل الطفل محمد الدرة، الأمر الذي حدا ببعض المتعاملين في موقع الكتروني اسمه "سبلة العرب"، وهو موقع عماني، الى الدعوة الى تفجير مكتب التمثيل التجاري الاسرائيلي في مسقط. وعلى رغم ان عمان لم تشهد مثل هذه الأعمال كالتفجيرات أو غيرها الا ان هذا الحديث يعكس الغضبة الشعبية التي تظهر للمرة الأولى بهذه القوة. وكان الجميع ينتظر يوم الجمعة للخروج بعد الصلاة، وأقيمت في كل عمان صلاة الغائب على أرواح الشهداء. وعقب الصلاة انطلقت المسيرات الكبرى في كل المدن العمانية، وكانت اكبرها التظاهرة التي خرجت من جامع قابوس في مدينة روي وسط العاصمة وسارت كيلومترات قبل ان تفرقها الشرطة نظراً للعدد الكبير الذي سار فيها. وحرصت الشرطة على حفظ الأمن العام لصعوبة السيطرة على مثل هذه الحشود وابقائها في النطاق السلمي. وبالنسبة للجانب الرسمي أعلنت الحكومة العمانية موقفها منذ الأيام الأولى لبدء الانتهاكات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين وادانت تلك الممارسات معتبرة اياها انها لا تعبر نهائياً عن الرغبة في السلام وأكدت وقوفها مع الجانب الفلسطيني في كفاحه لنيل حقوقه المشروعة على أرضه. وبعد ايام أعلنت السلطنة تأييدها لدعوة الرئيس المصري حسني مبارك لعقد قمة عربية هدفها التأكيد على الوقوف العربي الموحد مع الفلسطينيين في قضية القدس وطالبت السلطنة اسرائيل بوقف هجومها المسلح على الشعب الفلسطيني واصفة ما يحدث انه ارهاب دولة. وعكس التلفزيون الحكومي الوقفة العمانية مع الحق الفلسطيني وللمرة الأولى يبث لقطات للمظاهرات التي قامت في انحاء السلطنة وبث تقارير مطولة عن احداث القدس، وكذلك الأمر مع الصحيفة الرسمية "عُمان" التي نشرت بالصور أحداث المظاهرات والاحتجاجات وهذا ما يحدث للمرة الأولى. أما الصحافة غير الرسمية فإنها فتحت معظم صفحاتها لمتابعة تطورات انتفاضة الأقصى وعرضت لقطات استشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة اكثر من مرة مع فتح صفحتين يومياً لمن اراد من الكتاب والقراء فجاءت القصائد والمقالات تحيي النخوة الميتة في الضمير العربي وتطالب بالانتقام. واستعارت جريدة "الوطن" في عناوينها الرئيسية مفردات القتلة والارهابيين للحديث عن الاسرائيليين وقادتهم. وفي شكل لافت غدت مجازر الاسرائيليين في القدس حديث كل بيت عماني واصبح الحوار بين اثنين لا يكاد يخرج عن القتلة الذين يدنسون المقدسات الاسلامية ويقتلون العرب، وفي قلوب الجميع غصة على هذا العجز العربي الذي أرادت له الدول الكبرى تسويقه باسم السلام، واثبت قادة اسرائيل انهم نسخة واحدة منذ ايام مناحيم بيغن ومن قبله قادة عصابات القتل. الغضبة الشعبية أثبتت ان التطبيع مع الكيان الصهيوني هو من قبيل الأحلام فقط، لأن اسرائيل قامت على أرض مسروقة، وتمارس السرقة على مدار سنوات عمرها، الأرض والماء وأرواح البشر، وانتهاء بالفنون العربية. لا يمكن التكهن بنتائج القمة العربية لأنها تأتي في وقت لا مجال فيه للتكهنات بقدر ما يفترضه من وقفة عربية شجاعة تثبت لأميركا قبل اسرائيل ان الدم العربي واحد، من المحيط الى الخليج، وان اختلفت المصالح بين حكام العرب، الا ان الشعب العربي أمة واحدة اذا وصل الأمر الى القدس.