توجت مؤسسة نوبل في اوسلو نشاطاتها التقديرية هذا العام، بمنح جائزتها للسلام الى الرئيس الكوري الجنوبي كيم داو جونغ 76 عاماً. وآلت الجائزة بكاملها الى فائز واحد، في خروج عن تقليد اتبعته المؤسسة بمنحها الى خصمين سابقين تحولا شريكين في صنع عملية سلام. ولا شك في ان نجاحه في التفاهم مع حاكم متعنت مثل الزعيم الكوري كيم جونغ ايل، انجاز يستحق التقدير، فهذا الوريث لنظام ديكتاتوري منغلق على نفسه، ظل متحصناً في آخر قلعة من قلاع الستالينية، مصمماً على مواصلة المقاومة على الجبهة الاخيرة من جبهات الحرب الباردة، كما اوصاه والده الراحل "الزعيم المحبوب" قسراً كيم ايل سونغ. لذا كان قرار الرئيس الكوري الجنوبي كيم داو جونغ "اختراق" الدشم والحصون والتوجه الى بيونغيانغ في حزيران الماضي، لاعادة وصل ما انقطع من جسور الاخوة مع الشطر الشمالي، حدثاً تاريخياً بحد ذاته، تلته انجازات على صعيد اقناع كيم الابن بفتح ابواب الشمال الموصدة لتدخل "الشمس الساطعة"، حاملة إشارات ودية من "العدوين اللدودين": اميركا واليابان. وفي اطار سياسة "الشمس الساطعة" كما سمّاها، تمكن كيم داو جونغ من اعادة التواصل بين شطري كوريا المقسمة منذ بداية الخمسينات. ولم تقتصر ثمار هذا الانجاز على الكوريتين، بل مهد لاتصالات فريدة من نوعها بين واشنطن وكيم الابن الذي "تنازل" واوفد هذا الاسبوع نائبه في القيادة العسكرية الى "معقل الامبريالية"، حاملاً رسالة صداقة الى الرئيس بيل كلينتون ودعوة الى وزيرة الخارجية الاميركية مادلين اولبرايت لزيارة بيونغيانغ. وقالت مؤسسة نوبل في معرض تقديمها للرئيس الفائز، ان "زيارته لكوريا الشمالية اعطت زخماً لعملية ادت الى خفض التوتر بين الكوريتين، ما بعث الامل في امكان التوصل الى نهاية قريبة للحرب الباردة في كوريا ايضاً". وعلى رغم حجب الجائزة عنه، لم تغفل المؤسسة التنويه بدور الزعيم الكوري الشمالي في السير على طريق المصالحة واعادة التوحيد المحتملة في شبه الجزيرة الكورية. لكن هذا التنويه لا يعوض عن كيم الابن خسارة معنوية كبيرة تكاد تكون بمثابة عقوبة له على بذله "القليل من الجهد في وقت متأخر جداً". أما الخسارة المالية بفقدان نصف قيمة الجائزة التي ناهز حجمها هذا العام المليون دولار اميركي، فقد عوضتها سيول لكيم الابن سلفاً وبعشرات اضعافها، من خلال المساعدات الغذائية التي ارسلتها الى مواطنيه الرازحين تحت وطأة الجوع، يعتاشون على شعارات "طنانة رنانة" ادت الى عزلتهم واخفقت في تأمين سياسة تنموية لسد رمقهم. وخلافاً للعجرفة التي يتسم بها الزعيم الشمالي، بادر الرئيس الكوري الجنوبي فور الاعلان عن فوزه، الى الاعراب عن رغبته في اقتسام التقدير مع كل "الحريصين على الديموقراطية وحقوق الانسان من ابناء شعبي الذين ساندوا جهودي" في المصالحة مع الشطر الشمالي.