يبدو أن الوثائق التي كشفت عنها «ويكليكس» أخيراً، وتضمنت معلومات تخص المدير العام لقناة الجزيرة السابق وضاح خنفر كانت بمثابة إجابات لأسئلة، ظلت تدور في كواليس الإعلام لسنوات حول تعاون خنفر الاستخبارتي والأمني مع أجهزة سيادية في أميركا، وهي الوثائق التي ربما لعبت دوراً في قراره تقديم استقالته أخيراً من على قمة كيان إعلامي ضخم. ووفقاً لهذه الوثائق - التي لا يمكن الجزم بصحتها بشكل مطلق حتى الآن - فإن خنفر خريج كلية الهندسة في الجامعة الأردنية عام 1990 تعاون مع الاستخبارات الأميركية، نقطة الارتكاز في هذا الاتهام، هو ما تناولته بعض وسائل الإعلام الغربية، وأشارت فيه إلى أن خنفر أمر فريق الجزيرة بتسليم صور المقابلة الحصرية التي أجرتها القناة مع الملا داد الله احد أهم الرموز الأفغانية، إلى أجهزة ال»سي آي ايه» في 2007 ما قادهم إلى تحديد مكان إقامته وتنقله، وتنفيذ عملية استخباراتية ضده، انتهت باغتياله. وتسليماً بأقوال محللين ومتابعين فإن القناة في تلك المرحلة قد عقدت صفقة مع زعيم القاعدة أسامة بن لادن، على اثره تحولت شاشة «الجزيرة» إلى ما يشبه النافذة الإعلامية الأكثر صدقية لبيانات ابن لادن، وهي النافذة التي أصابت وسائل الإعلام بالحيرة حول الكيفية تحصلت فيها «الجزيرة» على هذه البيانات، ما دفع البعض للقول، إن دماء داد الله لم تذهب هباءً، وأن البيانات التي تبثها القناة هي الثمن لدماء الملا، وإن كان هذا التحليل بعيداً في منطقيته، لسببين الأول أنه وحتى تساوم القاعدة لابد وأن تكون هناك وسيلة اتصال مسبقة قائمة بين الطرفين، وهو ما تنفيه «الجزيرة»، والثاني أن القناة تلتزم بحقها المهني في عدم الكشف عن مصادر معلوماتها. الاتهام الثاني الذي وجه إلى خنفر صدر هذه المرة من مواطنه صائب عريقات القيادي في منظمة التحرير الفلسطينية وجاء فيه بحسب تقارير صحافية أن خنفر «يتعاون مع مندوبين للاستخبارات الأميركية تحت غطاء صحافي» وذلك بعد أن قاد القناة إلى حملة ضد رموز فلسطينية تضررت من نشر الأخيرة لوثائق ادعت أنها تكشف عن تعاون بين السلطة الفلسطينية والإسرائيلية من تحت طاولة الرأي العام العربي والفلسطيني. كما نقلت وسائل إعلامية عن المذيعة لينا زهر قولها: «ما تغير في الجزيرة بعد وصول وضاح إلى إدارتها هو طريقة تعاطيه المتعالية مع الموظفين، وإغلاق أبوابه أمامهم، حتى وصل به الأمر إلى إلغاء الاجتماعات الخاصة بالمذيعين، كما أنه صرف العديد من أفراد الطاقم القديم، واستبدله بمستشارين ومساعدين لا عدّ لهم ولا حصر، كان يتدخل في كل كبيرة وصغيرة تخص المذيعات، إلى درجة أنه وصفهن بتماثيل الشمع، وأصدر تعميماً منعهن فيه من انتعال الكعب العالي». خنفر الذي صعد بسرعة مكوكية من مجرد مراسل إلى مدير مجموعة قنوات إعلامية مؤثرة في المنطقة (خلال سبعة أعوام)، ترك الباب مفتوحاً أمام أسئلة مشرعة حول مستقبل هذه القنوات المتهمة دوماً بعلاقاتها الأمنية والسياسية المتشعبة، مع مديرها الجديد، وتوجهها الذي يظن البعض أنه بداية النهاية، مرجعين ذلك إلى تغير في سيكولوجية المشاهد العربي وقنواته المعرفية، فما كان يطرب له بالأمس يتندر عليه اليوم، وما كان يقدم له على أنه انفراد، أصبح لا يمثل له أية إضافة تذكر. وليس خافياً أن قناة «الجزيرة» خلال العامين الماضيين بدلت الكثير من معالمها بعد إجراء استبيان واسع بناء على طلب مجلس إدارة المحطة وظهر أنها خسرت الكثير من مواقعها بسبب انتشار منافساتها. وسمحت لمذيعيها ومذيعاتها بملابس حديثة وملونة، وأضافت إلى طاقم العمل فيها وجوهاً شابة بعد أن كان يهيمن عليها كبار السن، ووسعت تغطيتها لتشمل الاقتصاد والفنون والأخبار الخفيفة التي كانت تمنع عرضها في السابق. نظام ل «الجزيرة» يحولها إلى مؤسسة «خاصة»