أخّر خلاف على الاولويات بين رئيس الوزراء الاسرائىلي ايهود باراك ووزير الخارجية السوري فاروق الشرع انعقاد اللجان الفنية الاربعة، الامر الذي استدعى تدخل الرئيس بيل كلينتون، وحال دون انعقاد لقاء ثلاثي سوري - اسرائىلي - اميركي إلى مأدبة عشاء كان دعا اليها الرئيس الأميركي الذي استعاض عنه باجتماع مع الوزير السوري الشرع استمر الى ساعة متقدمة من صباح امس، واكملته صباحاً وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت باجتماع مع الشرع. وبعد ظهر امس اعلن الناطق باسم وزارة الخارجية جيمس روبن انه تم تذليل العقبات الاجرائية حول توقيت بدء البحث في القضايا الرئيسية المطروحة وان ذلك فتح المجال امام عقد اجتماع ثلاثي بعد الظهر ضم الرئيس كلينتون وباراك والشرع. وأضاف روبن انه تم تشكيل كل اللجان التي ستبحث في القضايا الاساسية وهي: الانسحاب والترتيبات الأمنية وطبيعة السلام والتوقيت الزمني والمياه، وان كل هذه القضايا سيتم بحثها خلال اليومين المقبلين، وان الحل "جاء من الجانب الاميركي". ورفض الكشف عن المواضيع التي سيتم بحثها أولاً. وقال مصدر سوري ل"الحياة" ان "صعوبة ترتيب الاولويات" تمثلت في ان الوزير االشرع وضع مسألة الانسحاب الى خطوط الرابع من حزيران يونيو 1967 في مقدم متطلبات السلام"، في حين اراد باراك بدء المفاوضات بالبحث في الترتيبات الامنية ومساذل المياه والعلاقات التطبيع "قبل الحديث عن الانسحاب". وأكد المصدر ان "الانسحاب هو الاولوية الاولى في المفاوضات باعتبار ان الاحتلال هو سبب كل العناصر الاخرى، وان قرارات مجلس الامن التي تجري المفاوضات على اساسها تتحدث عن انهاء الاحتلال". ونقل عن الشرع ابلاغه اولبرايت ان "الانسحاب هو الاولوية الاولى لنا ويجب ان تكون هذه الجولة حاسمة في هذا المجال". واشار الى ان هذه الجولة ستكون "حاسمة فاما أن تعبد الطريق امام سلام حقيقي وإما أن تغلقه"، معتبراً ان "السلام ممكن اذا أبدى باراك نيات طيبة". وأضاف ان الجانب السوري ابلغ الاميركيين "ان سورية ستولي كل الجدية لقضايا السلام شرط ان تستجيب اسرائىل مطلب الانسحاب التام والعودة الى خط الرابع من حزيران". عودة كلينتون واضطر الرئيس بيل كلينتون امس للعودة الى بلدة شيبردزتاون في ولاية فرجينيا الغربية، لليوم الثاني على التوالي، لاجراء مزيد من المحادثات مع باراك والشرع بهدف المساعدة على بدء المفاوضات الثلاثية بعدما تعذر عليه مساء الاثنين الماضي جمع الطرفين معاً لاختلاف حول الأولويات التي ستبدأ بها المفاوضات، هل هي الانسحاب الكامل من الجولان كما تصر سورية، ام الترتيبات الامنية والقضايا الاخرى كما تصر اسرائيل. واعترف كلينتون في مؤتمر صحافي عقده امس في البيت الأبيض بالصعوبات التي تواجهها المفاوضات. وقال: "نحن في البداية، كل القضايا على الطاولة، وهي طاولة مليئة بالمواضيع". وشدد على انه لم يصب بخيبة أمل نتيجة عدم تمكنه مساء الاثنين من جمع باراك والشرع. وقال: "لدينا المزيد من العمل. وأنا عائد اليوم الى هناك". وأضاف ان الجانبين "جادان. وأعتقد انهما يريدان التوصل الى اتفاق كما ان هناك قضايا صعبة وعلينا ان نأمل في التوصل الى حل لهذه القضايا". ورفض كلينتون تأكيد الأنباء بأن اسرائيل تريد 17 بليون دولار والصحف الاسرائيلية تحدثت عن 25 بليوناً كتعويض عن انسحابها من الجولان، لكنه قال ان "هناك ثمناً لاعادة انشاء ترتيبات امنية" وان الولاياتالمتحدة ستساهم مع اصدقائها في أوروبا وآسيا بتقديم المساعدات على المدى البعيد "من اجل الانماء الاقتصادي". وأكد ان هذه المساعدات ستثمر سندات وان الادارة تعمل الآن على تقدير كلفتها بعد التشاور مع الكونغرس "بهدف ضمان امكانات نجاح" عملية السلام. وأعرب عن اعتقاده ان الشعب الاميركي والحزبين الرئيسيين في الولاياتالمتحدة يريد تحقيق "سلام شامل في الشرق الأوسط. ويعي ايضاً انه لدينا خلال الاشهر الثلاثة او الأربعة المقبلة فرصة لا مثيل لها علينا ان نغتنمها...". لجنة لترسيم الحدود وفي هذا المجال، كشفت مصادر ديبلوماسية ل"الحياة" ان الجانب السوري يطالب بلجنة سورية - اسرائىلية تضم خبراء في المساحة العسكرية "لترسم خط الرابع من حزيران على الخريطة، باعتبار ان هذا الخط ليس حدوداً بل يمثل نقاط تموضع القوات السورية والقوات الاسرائىلية عشية حرب 1967، في حين ان الحدود الدولية معروفة ومسجلة في اتفاقات الانتدابين البريطاني والفرنسي". الى لجنة ترسيم الحدود، تنبثق من المحادثات ثلاث لجان اخرى تتناول مواضيع الامن والمياه والعلاقات الطبيعية، علماً ان البحث في عنصري ترتيبات الامن والمياه يبقى "نظرياً ما لم تحدد نقطة الصفر للحدود". واوضح خبراء ل"الحياة" انه لايمكن تطبيق مبدأ التساوي والتكافؤ في المناطق المنزوعة والمخففة من السلاح واماكن انتشار القوات الدولية بين الطرفين ما لم يحدد الخط الفاصل بين الطرفين، مما يقّوي وجهة نظر سورية في ضرورة "حسم موضوع الانسحاب الى خط 4 حزيران". ويستبعد ان يوقع الطرفان على "اعلان مبادئ" او "اتفاق اطار"، لكنهما يسعيان الى حسم القضايا "الجوهرية" من دون توقيع اي وثيقة. وقال مسؤول اميركي ل"الحياة" ان مبدأين يلزمان المحادثات "الاول، لا اتفاق على اي شيء قبل الاتفاق على كل شيء. الثاني، لاينقل الاميركيون بين الطرفين الاّ ما هم مخولون بنقله". ولاحظت المصادر وجود شخصيات كبيرة في الجانبين السوري والاسرائىلي ل"تأكيد الجدية في المحادثات والاستعداد للبحث في كل القضايا، اذ ان خبراء مياه انضموا للمرة الاولى إلى الوفد السوري"، مع ان اوساط الوفد الاسرائيلي اشاعت "خيبة امل بسبب عدم وجود خبراء اقتصاديين للبحث في هذا الملف بين الطرفين". واوضحت ان الوفد السوري احضر معه ملفات مقابلة للملفات التي يحملها الجانب الاسرائىلي تتضمن دراسات في مجالات الامن والمياه و"خطوات بناء الثقة" والتعويضات. واشارت الى ان الشرع يحمل رسالة من اهالي 17 معتقلاً سورياً في السجون الاسرائىلية وتقديرات للخسائر التي لحقت بالسوريين من جراء احتلال اسرائيل للجولان منذ العام 1967 ونزوح اكثر من نصف مليون سوري الى ضواحي المدن الرئيسية، وذلك في مقابل مطالبة الاسرائىليين بالمساعدة في معرفة مصير الطيار رون اراد واعادة رفات الجاسوس كوهين ومعرفة مصير جنود سقطوا في معركة السلطان يعقوب، وحديث الاسرائىليين عن صعوبة اخلاء الجولان وتفكيك المستوطنات. وكان الرئيس كلينتون افتتح في الأولى بعد ظهر اول امس حسب التوقيت المحلي المحادثات بين باراك والشرع باسلوب جديد تمثل في عبور جسر يربط مبنيين في "مركز حماية الحياة البرية والمائية" على بعد سبعة اميال من شيبردزتاون. وتوقف الثلاثة في وسط الجسر لاعطاء فرصة للصحافيين لالتقاط صور تذكارية وامكن سماع كلينتون يتحدث مع ضيفيه عن الحرب الاهلية في اميركا التي كانت هذه المنطقة مركزاً لها. وبدأت المحادثات بجولة عقدتها اولبرايت مع الشرع، في وقت كان كلينتون يجتمع مع باراك قبل ان يتبادل المسؤولان الاميركيان الادوار مع الوفدين السوري والاسرائيلي.