أحياناً نجد العذر لتنوع وغموض مفهوم الثقافة عند بعض المثقفين، بسبب شمولية الثقافة وتعدد أوجه النظر إليها. لكن العجيب هو الخلط بين الثقافة العربية والثقافة الإسلامية الذي نظن أنه راجع إلى النظرة الضيقة التي تحصر كل ما هو عربي بالإسلامي وكل ما هو إسلامي بالعربي، إضافة إلى الاستعلاء العربي الذي يرى أن قدسية القرآن المكتوب باللغة العربية تنسحب على كل ما هو عربي. وهذا في المناسبة لا يختلف عن نظرة اليهودي إلى نفسه "شعب الله المختار" أو عن نظرة النازي الاستعلائية. وعندما يتحدث بعض المثقفين العرب حول الثقافة العربية يمزجها بالإسلام، على رغم أنه حدث تاريخي. وارتباطه بالعرب هو ارتباط تاريخي، فالثقافة العربية وجدت قبل الإسلام ولم يرتبط وجودها بوجود الإسلام ولم يكن فجر الإسلام هو فجر الثقافة العربية. بيد أنه اثر تأثيراً كبيراً بالثقافة العربية. تلك الأفكار تذكرنا بالانقلابات السياسية التي تلغي كل ما قبلها، وكأن التحول السياسي هو البداية الحقيقية لثقافة الشعب المعني! وبناء على ذلك يتم إلغاء اسماء الشوارع وإبدالها باسماء لها علاقة بالثورة أو الانقلاب. ويتم هدم النصب التذكارية وجميع الأعمال الفنية والأدبية والفكرية التي كانت تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي السابق، وهذا في رأينا يعتبر جريمة لا تغتفر بحق التاريخ والتراث والثقافة. فمثلاً، بينما طالبت الثورة البلشفية بالحفاظ على كل الموروث الثقافي من العهد القيصري، بما فيه تماثيل القياصرة، قامت حركة البريسترويكا بتدمير كل ما يمت إلى الثقافة الاشتراكية بصلة، محاولة إلغاء هذا التاريخ من ذاكرة الشعب الروسي، وحدث ذلك عندما احتل النظام العراقي دولة الكويت وعمد إلى إلغاء اسماء جميع الشوارع والمناطق التي لها علاقة بآل الصباح. ويحاول البعض تسفيه الثقافة العربية قبل الإسلام والتقليل من شأنها وتهميشها، واعتبار الثقافة العربية بعد الإسلام هي الثقافة العربية الحقة. وما قبلها كان مضيعة تاريخية، كأنه لم يعش، بل يجب أن يلغى من الذاكرة باعتبار أنه "جاهلية". كلنا يعلم ان القوميات غير العربية التي دخلت الإسلام تركت تأثيرها الثقافي على الثقافة الاسلامية سواء الفارسية أو الهندية أو التركية، والاسبانية وغيرها، فواقع الثقافة الإسلامية في هذه اللحظة ليس واقعاً عربياً خالصاً، بدءاً من مفردات أعجمية ورومية وردت في القرآن الكريم، إلى فنون العمارة والزخرفة والشعر وغيرها، كما ان الممارسات والتفسيرات الإسلامية ليست إسلامية بحتة، أو عربية بحتة. فهل نعتبر الممارسات والتنظيرات التي تصدر عن الأحزاب السياسية الإسلامية في الكويت إسلامية خالصة من دون أية تأثيرات؟ بالطبع لا، فالواضح للجميع ان الممارسات أو التنظيرات تصطبغ بصبغة قبلية، فالحرب ضد حق المرأة السياسي ليست ثقافة إسلامية، بل ثقافة قبلية تلغي في حقيقة الأمر الثقافة الإسلامية والعربية الصحيحة، والسائد في الثقافة الإسلامية السياسية اليوم، مع الأسف، هو الموروث الأفغاني والرؤية الأفغانية للإسلام المعروفة للجميع. كما أن العرب من غير المسلمين سواء كانوا مسيحيين أم يهوداً أم أقليات عرقية وطائفية، لعبوا دوراً مهماً في الثقافة العربية، وغير العرب من المسلمين لعبوا أيضاً دوراً مهماً في الثقافة الإسلامية. * كاتب كويتي.