في ذلك اليوم كانت قلة من الناس تلك التي التفتت حقاً الى ما يحدث في كرونشتادت، واهتمت حقاً بذلك القمع الذي طال بحارة تلك القاعدة العسكرية الهامة، والذي مارسه البولشفيون دون ان يرف لهم جفن. صحيح ان الانتصارات البولشفية على "القوى الرجعية" كانت عديدة في ذلك الحين. لكن حالة قمع كرونشتادت كانت مختلفة، وببساطة لأن الانتصار هذه المرة لم يكن على قوات بيضاء او قيصرية او رجعية، بل على بحارة ثوريين جعلوا شعارهم الرئيسي "كل السلطة للسوفيات" وهو شعار يتطابق على اي حال مع الشعارات التي كان حزب لينين يطلقها. لهذا السبب، ربما، لم يهتم العالم الخارجي كثيراً بثورة بحارة كرونشتادت وقمعها. فهذا العالم الخارجي لم يكن قد نسي بعد ان اولئك البحارة انفسهم كانوا هم الذين انقذوا الثورة البولشفية مرات عديدة، ولا سيما ضد انقلاب كورنيلوف الذي هدد ثورة لينين تهديداً جدياً. مهما يكن، كان من الواضح ان السلطة البولشفية لن يمكنها ان تتعايش طويلاً مع بحارة ينتمون الى قاعدة بحرية عرفت على الدوام بنزوعها الى الثورة والتمرد وسبق لها ان عبرت عن ذلك النزوع مرات عديدة، ولا سيما خلال ثورتي العام 1905 و1906، حين لعب بحارة الاسطول المرابط في كرونشتادت، على البحر الاسود، دوراً أساسياً، حيث اعلنوا العصيان مرتين على الاقل. بعد ذلك، حين اندلعت الثورة البولشفية في العام 1917، كان من الطبيعي ان يكون بحارة كرونشتادت من اوائل القطع العسكرية المنضمة الى الثورة، بل انهم بعد ان وقفوا الى جانب حكومة كيرنسيك انتفضوا على تلك الحكومة مطالبين بأن يكون لهم ممثلوهم في مجالس السوفيات. المهم ان بحارة كرونشتادت ساهموا في الثورة مساهمة اساسية وتولوا هم حماية قصر الشتاء. ثم سكتوا، على مضض، عن ممارسة البولشفيين، حتى كان شهرا شباط فبراير وآذار مارس 1921، حين تبين انهم في طليعة القوى المعبرة عن استيائها ازاء الممارسات السياسية الخاطئة، وأساليب احتكار السلطة التي راح البولشفيون يمارسونها. وعلى الفور اعتبر البحارة، من قبل هؤلاء، "قوى معادية للثورة"، وخاصة حين ساندوا اضراباً قام به عمال بتروغراد، وتحالفوا مع الفوضويين واليسار الشيوعي وتمكنوا معاً من طرد البلاشفة من سوفيات بتروغراد، ثم أسسوا سلطة موقتة بقيادة البحار بتريتشنكو واصدروا صحيفة ثورية باسم "إزفستيا". امام تفاقم هذا التمرد وجد لينين وأركان حربه انه لا بد من التحرك، فأصدر تروتسكي امراً الى قوات من الجيش الاحمر، بقيادة توهاتشنكي بالتدخل، فتولت تلك القوات قمع الانتفاضة بوحشية نادرة، وذلك يوم 18 آذار مارس 1921، مما اسفر عن وقوع العديد من القتلى والجرحى.