قال اللاعبان الرئيسيان في مجموعتي "أميركا اون لاين" و"تايم وارنر" ان اتفاقهما الذي أعلناه في مؤتمر صحافي صاخب عقداه في نيويورك الاثنين الماضي يهدف الى صنع عالم أفضل، لكن دمج عملاق الاعلام والترفيه في عمليات أحد عمالقة انترنت أثار من المخاوف ما جعل بعض المراقبين حتى في بلد جار مثل كندا ينعى المؤسسة الكندية الوحيدة المكلفة مقاومة الغزو الثقافي بينما وجد الاتحاد العالمي للصحافيين من الضروري التحذير من مخاطر تهدد "الديمقراطية وتعددية وسائل الاعلام ونوعيتها". وانطلقت المخاوف من الآثار التي يمكن أن تنعكس على المستهلك وخياراته جراء صفقة بهذا الحجم بين أحدث وسائل النشر والتوزيع وأسرعها نموا وانتشارا ممثلة بانترنت وأضخم بيوتات الاعلام والترفيه المسيطرة على طاقات انتاجية كبيرة وحشد من وسائل النشر والتوزيع التقليدية ممثلة بالشبكات التلفزيونية والكابل والخدمات الاخبارية المباشرة والمجلات ومؤسسات الانتاج الموسيقي والسينمائي وأفلام الكرتون. وكشفت الأرقام بعض دواعي القلق: اذ تقول "تايم وارنر" أن خدمتها الاخبارية "سي ان ان" متاحة لبليون مستهلك وأن عدد قراء دورياتها مثل "تايم" و"فورتشن" و"سبورتس اليستريتد" يبلغ 120 مليونا علاوة على 35 مليون زبون لمنتجاتها السينمائية بينهم 320 ألف طفل من محبي أفلام الكرتون "روود رانر" فقط وأن لديها 13 مليون مشترك في الكابل وتؤكد في الوقت نفسه أن صفقتها مع "أميركا اون لاين" ستوفر لها 20 مليون مشترك اضافي منهم نحو 3.4 مليون مشترك خارج الولاياتالمتحدة. ويخشى المعنيون بالغزو الثقافي وتعددية وسائل الاعلام حفنة أخرى من الأرقام المتعلقة هذه المرة بالثقل المالي للشركة المدمجة التي أطلق عليها اسم "إي أو إل - اميركا اون لاين - تايم وارنر" والمؤكد أن الكيان الجديد سيكون فاحش الثراء بكل المقاييس وسيصل اجمالي قيمته السوقية الى زهاء 350 بليون دولار حسب أسعار أسهم الشركتين يوم اعلان الصفقة ويقدر حجم أعماله السنوي وأيضا حسب أداء عام 1998 للشركتين كلتيهما بنحو 31.6 بليون دولار. ورأى رئيس قسم الاعلام ووسائل النشر في احدى الجامعات الكندية الشهيرة أن التزاوج بين وسائل النشر التقليدية والحديثة خلق بيئة جديدة لعبتها محكومة بقواعد "يضعها من يملك عباءة السوق"، وأشار على سبيل المثال الى أن الاغراءات التي تقدمها صفقة إي أو إل - تايم وارنر لمجمل متصفحي انترنت على الصعيدين الاعلامي والترفيهي ربما تصعب مقاومتها وماتمثله من "غزو ثقافي" في حال نجحت المجموعة الجديدة في التوسع وبسط سيطرتها على انترنت بما تملكه من امكانات ضخمة وبعنصر الريادة من واقع أن صفقتها هي الأولى من نوعها. وعالمياً أعرب الاتحاد العالمي للصحافيين عن مخاوف مشابهة، ففي بيان أصدره في بروكسيل بعد اعلان صفقة التملك حذر الأمين العام من "هيمنة عدد محدود من الشركات على الاعلام ووسائل النشر" ووجد الحل في "فرض قوانين" تمنع الشركات المسيطرة من صياغة مضمون الأنباء بما يتماشى مع استراتيجياتها التجارية". والمشهور لدى خبراء الاعلام أن وسائل النشر الطامحة الى التوسع التجاري غالبا ما تصوغ استراتيجياتها بعيداً عما من شأنه اثارة الجدل واستعداء شريحة مهمة من المستهلكين. وتعتبر هذه المخاوف بمثابة اتهامات خطيرة الا أن مسؤولي أميركا اون لاين - صاحبة المبادرة في الصفقة - امتنعوا باصرار، في مكالمات هاتفية من مونتريال، عن التعليق ويعود السبب في ما يبدو الى أن الاهتمامات التجارية للشركة تتركز أساساً في السوق الأميركية ليس فقط لأن هذه السوق الضخمة تقدم لها نحو 80 في المئة من مداخيلها بل لأنها أيضاً السوق الوحيدة في العالم التي يرتبط زهاء 30 في المئة من سكانها بانترنت مقابل نحو خمسة في المئة فقط في دول الاتحاد الأوروبي ونسبة أقل بكثير في الدول العربية. وتوقع بعض المراقبين مع ذلك أن تنجم عن دمج مخزون المحتوى الضخم ل"تايم وارنر" آثار سلبية على الشراكات الاستراتيجية التي عقدتها "أميركا اون لاين" مع شركات اوروبية لتوفير خدمات انترنت والتسويق الالكتروني في دول الاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية ولاسيما أن أميركا أون لاين درجت على الاعتماد على شركائها الأوروبيين مثل "بيرتلسمان" الألمانية ومجموعة"بيرسون" البريطانية لتوفير البنية التحتية للاتصالات والمحتوى. ويشار الى أن ممثل شركة بيرتلسمان في مجلس ادارة "أميركا اون لاين" أعلن نيته الاستقاله من منصبه بعد انجاز صفقة "إي أو إل - تايم وارنر" رسميا في نهاية السنة الجارية. وتوقع المراقبون أن يحذو ممثل مجموعة "بيرسون" حذو نظيره الألماني، وسيكون تطور من هذا النوع مقلقا خصوصا أن الشركات الاستراتيجية هي التي جعلت "أميركا اون لاين" و"مايكروسوفت" و"ياهوو" أهم اللاعبين في توفير تقنيات وخدمات انترنت في السوق الأوروبية. وتبدو "أميركا أون لاين" مشغولة عن مصير عملياتها الخارجية بحفنة من المتاعب في سوقها المحلية. فرغم اعتقاد المراقبين أن صفقة التملك التي بلغت قيمتها وقت إعلانها 160 بليون دولار لا تتعارض مع قوانين المنافسة في الولاياتالمتحدة بسبب التمايز الواضح في غالبية نشاطات الشركتين الا أن النقاد أبدوا مخاوف جدية ازاء عدد من السيناريوهات التي يرونها محتملة تبدأ باحتمال ممارسة الاحتكار لغير صالح المستهلك وتنتهي باحتمال القضاء على انترنت كبنية تحتية لخدمة المصلحة العامة. وطرحت مخاوف المستهلكين نفسها بقوة ما دفع رئيس شركة "أميركا اون لاين" ستيفن كيس ورئيس شركة "تايم وارنر" جيرالد لفاين للدفاع عن مشروعهما في سلسلة من المقابلات التلفزيونية، وتلخصت تأكيداتهما في أن صفقتهما تهدف الى "صنع عالم أفضل" للمستهلك من حيث أنها ستتيح لمتصفحي انترنت الوصول الى مخزون هائل من المواد الاعلامية والترفيهية وتحميل ما يرغبون في شرائه منها بنقرات على شاشات الكومبيوترات الشخصية وبكلفة زهيدة. وقال لفاين في احدى المقابلات المتلفزة أن الهدف من الصفقة "ليس مشاريع الأعمال الضخمة فقط وليس المال فقط بل صنع عالم أفضل للناس لأننا اليوم نملك التكنولوجيا والأدوات اللازمة لذلك". وأكد كيس من جانبه أن الشركتين أرادتا استخدام امكاناتهما ل"تغيير العالم". وأضاف: "معاً لدينا فرصة لا تصدق لاحداث تغيير ليس فقط في نوعية الخدمات التي يستخدمها الناس بل أيضا في نوع الأثر الذي يمكننا أن نحدثه في المجتمع". وكانت الشركتان أكدتا في بيان صحافي مشترك أن صفقتهما "ستخلق أول شركة اعلام واتصالات في عصر انترنت وستقدم للمستهلكين فوائد بعيدة المدى عن طريق تسريع نمو الوسط التفاعلي انترنت وستقود عملية نمو نشاطات الدعاية والتسويق الالكتروني وستسرع عملية توفير الخدمات التفاعلية عبر الموجة العريضة السرعات العالية ومنها خدمات "سي ان ان" التي ستبدأ "أميركا اون لاين" بتوفيرها لمشتركيها في الفصل الثاني من السنة الجارية. لكن التأكيد على أن صفقة التملك افتتحت "عصر انترنت" أغضب نقاداً يرون أن الصفقة ستعجل في القضاء على انترنت كبنية تحتية عامة، ولخص محاضر في معهد أبحاث الاتصالات التابع لجامعة "الينوي" مخاوفه في هذا الصدد بالقول أن "انترنت انشئت بجرعات ضخمة من الأموال العامة ولكنها أصبحت ملعباً لحفنة من بليونيريي المستثمرين الذين يستخدمون طاقاتهم لاقتحام كل لحظة من حياتنا لأغراض تجارية". وفي المقابل يعتقد مراقبون كثر أن انشاء "إي أو إل - تايم وارنر" سيحدث أثراً هائلاً في سوقي الاعلام وانترنت ويلهب حمى التنافس في أوساط صناعة البوابات الالكترونية وخصوصاً المتنافسين الثلاثة الرئيسيين الذين ينفردون بما نسبته 15 في المئة من اجمالي زيارات المتصفحين في السوق الأميركية "ياهوو" و"أميركا أون لاين" و"مايكروسوفت". وقال كيس في هذا المجال: "هذه هي المرة الأولى التي يحدث فيها دمج بين شركة انترنت رئيسية وشركة اعلام رئيسية والاحتمالات هي حقيقة بلا حدود".