منذ تحريرها، لم تكن مدينة باريس عاشت فرحة تضاهي فرحة العديد من سكانها بانتصار فرانسوا ميتران في الانتخابات الرئاسية في العاشر من أيار مايو 1981. وكان من دلالات هذا الرقم نفسه انه ذكر اجيالاً عديدة في ذلك الحين، بيوم مماثل، قبل ذلك بثلاثة عشر عاماً، حين ضجت باريس ايضاً، ولكن بالمتاريس والمعارك في انتفاضة أيار الطلابية الشهيرة 1968. هذه المرة ربما كان ابناء الجيل نفسه هم الذين يملأون شوارع وساحات العاصمة الفرنسية فرحين صارخين يلوحون بالاعلام الحمراء. لكن، هذه المرة، كان التظاهر تظاهر فرح. ففرانسوا ميتران الذي لم يكن يكفّ عن ترشيح نفسه للرئاسة في مواجهة الجنرال شارل ديغول وخلفائه من اقطاب اليمين الفرنسي، والذي لم يكف عن السقوط، فعلها هذه المرة ونجح محققاً اول انتصار يساري حقيقي في فرنسا منذ حكم "الجبهة الشعبية" قبيل الحرب العالمية الثانية. فاز ميتران يومها في مواجهة فاليري جيسكار ديستان الرئيس الليبرالي السابق. وكان فوز ميتران فوزاً لليسار الفرنسي كله، لأنه خاض الانتخابات على رأس تحالف يضم الاشتراكيين والشيوعيين والراديكاليين اليساريين، ونال يومها اكثر من 52 في المئة من الاصوات، منهياً بذلك 23 عاماً من الحكم اليميني الخالص في فرنسا. بعد فوزه الكبير شكل ميتران حكومة يسارية تضم وزراء شيوعيين ويساريين آخرين، ثم حل مجلس النواب، فانتخب الشعب مجلساً ذا اكثرية يسارية. ومنذ ذلك الحين باتت فرنسا محكومة، بشكل عام وشبه متواصل، من قبل اليسار، حتى وإن كان ميتران قد اضطر، خلال فترة، الى التعايش مع اليمين حين شكل جاك شيراك حكومة يمينية، تماماً كما اضطر الى استبعاد الوزراء الشيوعيين حين وجد ان واقعاً معيناً يفرض عليه انتهاج خط اكثر اعتدالاً من خط كان انتهجه اول حكمه وفيه تأميمات ومسالك راديكالية. انتصار اليسار وتوزير الشيوعيين ارعب يومذاك الولاياتالمتحدة فأرسلت تطمئن، فطمأنها ميتران. كما فتح الآفاق واسعة امام فوز يساريين آخرين في دول اوروبية عديدة.