حين اعلن بصورة رسمية عن وفاة الزعيم الديني الايراني روح الله الخميني، ركض الناس في الشوارع صاخبين ضاجين يذرفون الدموع. ولقد زاد من الطين بلة يومها، ان الوفاة نفسها حدثت بشكل غير متوقع، على رغم ان الناس جميعاً كانوا عارفين ان زعيم "الثورة الاسلامية" مريض وعلى حافة الموت. فالذي حدث ان الاطباء كانوا قد اعلنوا قبل ذلك بأيام عن نجاح العملية الجراحية التي اجريت للخميني. فاطمأن الايرانيون من انصاره وشعروا ان عمراً جديداً قد كُتب لزعيمهم. بيد ان اطمئنانهم لم يدم سوى ايام قليلة انتهت برحيل الرجل، وبالهستيريا الجماعية التي اصابت القوم وتفاقمت حتى وصلت الى ذروتها يوم دفنه، عند السادس من شهر حزيران يونيو 1989. والحال ان رحيل الخميني، عن تسعة وثمانين عاماً، في ذلك اليوم الربيعي الحار، اتى ليضع نهاية لحياة متقلبة وغريبة وعامرة بالحركة، عاشها ذلك الزعيم الذي اتاحت له مجموعة من الظروف والتطورات ان يقود، ومن المنفى، واحدة من اكبر الانتفاضات الشعبية التي عرفها الثلث الاخير من القرن العشرين، انتفاضة ادت ليس فقط الى احداث تبديل في زعامة ايران، بل كذلك الى احداث اكثر من خضّة على صعيد العالم كله. هذه الانتفاضة التي ارتكزت الى مشاعر الايرانيين الاسلامية لتنهضهم ضد سلطة شاه ايران الديكتاتورية القمعية، احدثت في الواقع تبديلاً على الصعيد العالمي كله، وهو تبديل لا يزال يفعل فعله حتى الآن، ولا سيما في العديد من الدول العربية والآسيوية وفي اوساط المسلمين في شتى بلدان العالم، على رغم ان حميا التعصب في ايران بعد رحيل الزعيم الخميني هدأت الى حدّ كبير. روح الله الخميني الذي وُلد عند مطالع هذا القرن، انصرف الى الدراسة الدينية منذ صغره في مدينة قم، وكان منذ البداية ينتمي الى تلك الشرائح الاجتماعية التي تضررت من اصلاحات الشاه رضا التحديثية. وانتهى الامر به الى سلوك درب المنفى حين تفاقم الصراع بين رجال الدين والاقطاعيين من جهة وبين الشاه من جهة اخرى. ومن المنفى الذي امضى الجزء الاكبر منه في العراق، ثم في فرنسا، قاد الخميني ثورة الشعب الايراني التي راحت تتفاقم يوماً بعد يوم، وانخرط في التحالف معه الوطنيون واليساريون والليبيراليون والبسطاء العاديون من الناس، ولكن خصوصاً طبقة تجار البازار الذين كانوا الممول الحقيقي للثورة. نعرف جميعاً ان الخميني وجماعته المقرّبين عمدوا بعد سقوط الشاه ووصولهم الى السلطة اعتباراً من الاول من شباط فبراير الى القضاء على حلفائهم واحداً بعد الآخر حتى استتبت السلطة بين ايديهم وحدهم في نهاية الامر. ولئن كان متطرفو الحرس الثوري قد بادروا فور الانتصار الى اشعال المعركة مع اميركا - عن طريق قضية الرهائن - فان من اغرب ما في الامر ان الخميني ركز وبخاصة على خوض المعركة ضد البلدين اللذين كانا قد استقبلاه منفياً: العراقوفرنسا. تزعم الخميني ايران طوال اكثر من عشرة اعوام، شهدت فترات مد وجذر في تجذّر النظام الحاكم وانفتاحه، كما شهدت في الوقت نفسه استعادة الايرانيين لكرامتهم الوطنية، في الوقت الذي تخلص فيه النظام من اكثر من خمسين الف معارض، وأفنى في الحرب مع العراق نحو مليون ضحية.