منذ فترة من الزمن كان رجل دين شاب يدعى روح الله خميني، بدأ يشكل خطراً حقيقياً على النظام، خصوصاً انه بالتوازي مع هجومه على اميركا واسرائيل، كان فتح معركة ضد الشاه، تتعلق بمنح هذا الأخير وحكومته النساء حق التصويت في الانتخابات النيابية. بالنسبة الى خميني، لم يكن من حق الشاه ان يفعل هذا، لأن النساء لا يحق لهن ان يدلين بأصواتهن، غير ان هذا كله كان يمكنه ان يمر بهدوء، وان يعتبر جزءاً من معركة سياسية، لا يشكل خطراً على النظام. المشكلة ان خميني لم يتوقف عند تلك الحدود، بل واصل معركته، وجاءته الفرصة الذهبية حين صوت "المجلس" على قانون اقترحه رئيس الحكومة، وفيه اعفاء للجنود الاميركيين ولعائلاتهم من المثول أمام الأجهزة القضائية الايرانية. والحال ان مثل هذا الاعفاء كانت الولاياتالمتحدة تصر عليه في كل بلد ترسل اليه جنودها. أما بالنسبة الى خميني فكان الأمر فضيحة ما بعدها فضيحة، وممالأة لپ"الشيطان الأكبر" ما بعدها ممالأة، ومن هنا شن هجومه على المجلس وعلى القانون وعلى رئيس الحكومة، معتبراً الأمر استسلاماً. في تلك الآونة كان خميني خرج من السجن بعد ان وضع فيه لفترة، لكن نوعية الهجوم الذي شنه على السلطات وعلى الأميركيين كان من شأنه ان يجعله يحكم بالإعدام. ما أن علم خميني بهذا، وما أن علم به رجال الدين المحيطون به، حتى قرروا العمل والتحرك بسرعة، أولاً لإنقاذه من عقوبة الاعدام، وبعد ذلك لتهريبه خارج البلاد. وهكذا اجتمعوا ورفعوا رتبته الدينية الى صفوف آيات الله. وهو أمر يجعل له، حسب القانون الايراني والأعراف المعمول بها في ذلك الحين، حصانة تحميه من الاعدام. وهكذا تحقق الهدف الأول. وبقي الهدف الثاني: ضرورة اخراجه من البلد لكيلا يعاقب. وهكذا، تم اخراج المسألة بهدوء: أبعد خميني الى تركيا في الرابع من تشرين الثاني نوفمبر 1964... وبدأت بذلك حكاية منافيه الطويلة والمتعاقبة التي سيكون آخره منفاه في فرنسا، ذلك المنفى الذي عاد منه، بعد 15 عاماً من نفيه الى تركيا، زعيماً لواحدة من أهم وأخطر الثورات في الربع الأخير من القرن العشرين. غير ان أحداً لم يكن يتوقع هذا الأمر في صيف العام 1963 حين ظهر روح الله خميني للمرة الأولى، بشكل طاغ، على مسرح الأحداث السياسية في ايران، حيث كتب رسالة الى الشاه يقول فيها ان اعطاء النساء حق التصويت أمر مخالف للدين. وأثنى على ذلك بالتحريض على سلسلة من الانتفاضات التي شهدتها في ذلك الصيف مدن مثل مشهد وتبريز واصفهان. يومها تمكنت قوات الجيش من قمع تلك الانتفاضات كافة، وسقط قتلى وجرحى بالعشرات. وحدث الشيء نفسه في مدينة قم التي كان خميني يدرس ويناضل فيها. وحين عرفت السلطات انه هو المحرض في تلك المدينة سارعت الى اعتقاله. وبدأ اسمه يلمع في سماء التحرك الشعبي. وعرف الايرانيون، الكثير عن ابن التاجر المقيم في احدى مدن كشمير، والذي بدأ حياته وهو يحاول كتابة الشعر، وكان معظم قصائده الأولى مستوحى من حياة الاشجار المثمرة، ويحمل توقيع "هندي". بعد ذلك توجه الشاب ليدرس في قم، وقد آلى على نفسه ان ينخرط في صفوف المتصوفين. ثم انخرط في الحلقة المحيطة بالزعيم الديني البروجردي قبل ان ينتقل للنضال في صفوف جماعة "فدائيي الاسلام". وفي الوقت الذي كانت فيه انتفاضة مصدق يؤدي الى نفي الشاه، كان خميني الشاب انغمس كلياً في السياسة. وسرعان ما أصبح واحداً من الوجوه الأساسية في الانتفاضات الدينية المتعاقبة. وهذا ما جعله يوجه يوم 3 حزيران يونيو 1963، من مقره في "الفائزية" في قم، عشية أحداث مشهد العنيفة، رسالة الى الشاه محمد رضا يقول له فيها: "حضرة الشاه، حين تتحدث عن الرجعية السوداء، هل تعني بحديثك رجال الدين؟ أنت تقول انك تقوم بثورة بيضاء، فلماذا أراك تخدع الشعب وتضحك عليه؟". وكانت هذه الرسالة، بداية حقيقية لصراعه مع الشاه، الصراع الذي كاد يوصله الى منصة الإعدام لو لم يسارع رجال الدين، الى رفع رتبته الدينية الى "آية الله" في مثل هذا اليوم من العام 1964، مدبرين له الوصول الى تركيا، حيث واصل سعيه لقلب الشاه. الصورة: خميني في العام 1964