يُعد المخرج كمال عطية واحداً من رواد السينما المصرية الأوائل الذين أثروا السينما بالعديد من روائع الأفلام. عطية لم يدرس السينما في معاهد متخصصة، ولكنه ثقف نفسه سينمائياً، وقدم عدداً من الأفلام التي حققت شهرة واسعة منها "قنديل أم هاشم"، و"الشوارع الخلفية"، و"رسالة إلى الله"، و"سوق السلاح"، و"حديث المدينة". ولم يقتصر إبداع عطية على الإخراج، ولكنه كتب السيناريو والحوار لمعظم أفلامه، واكتسبت أغانيه التي كتبها لعدد من المطربين مثل نجاة وصباح وهدى سلطان ومحمد فوزي، شهرة عريضة، ومازالت هذه الأغاني تتردد حتى اليوم وأيضاً حصلت أفلامه التسجيلية التي أخرجها على مجموعة من الجوائز. وفي الفترة الأخيرة احتجب كمال عطية عن الأضواء بعد إخراجه لآخر أفلامه "ليس لعصابتنا فرع آخر" في العام 1990. "الحياة" ألتقته، وسألناه عن بداية اهتمامه بالسينما وكيفية دخوله هذا العالم؟ - بدأ اهتمامي بالسينما منذ الطفولة، وأثر في طفولتي فيلم "الوردة البيضاء" لمحمد عبدالوهاب، وفي فترة الصبا عشقت أفلام "بركات"، بعدما احببت افلام محمد كريم واحمد بدرخان، لأنه كان ملماً بثلاثة أشياء مهمة جداً هي "السيناريو والمونتاج والإخراج"، وفي رأيي أن هذه العوامل الثلاثة هي التي تخلق مخرجاً ممتازاً، وإذا نقص عنصر من هذه العناصر، قلت إمكانات المخرج. على اية حال في البداية لم يكن لديّ نية الإخراج! وفي العام 1946 طلبني المخرج الراحل صلاح أبو سيف ككاتب لأنه معجب بقصصي التي كنت أنشرها في ذلك الوقت في مجلة "روز اليوسف"، لأني من وجهة نظره أكتب قصة مضغوطة والسينما محتاجة إلى هذا النوع من القصص، وعندما ذهبت إليه أعطاني ورقتين وعندما قرأتهما وجدتهما ملخصاً لقصة "جسر وأترلو" فلم يعجبني الإعداد السينمائي لهذه القصة وقلت له هذا، فقال لي "إذن أعد كتابة القصة لأنني أريد أن أحولها الى فيلم سينمائي، وبعد نجاح هذا الفيلم الذي حمل اسم "دايما في قلبي" طلبني للعمل معه كمساعد مخرج، وعملت معه في ثلاثة أفلام هي "دايما في قلبي" و"مغامرات عنتر وعبلة"، و"المنتقم". وأبو سيف هو المخرج الوحيد الذي عملت معه كمساعد مخرج. بعد ذلك وفي العام 1950 عرضت عليّ المطربة رجاء عبده أن أخرج لها فيلم "حبايبي كتير" الذي شاركت فيه ماجدة وكمال الشناوي، وبالفعل أخرجت لها هذا الفيلم الذي يعتبر أول أفلامي ولاقى نجاحاً كبيراً. وبعد ذلك ذهبت الى إيطاليا لدراسة السينما على أسس علمية، وهناك اكتشفت أنه لا يوجد فرق كبير بين ما قرأته وبين ما مارسته في السينما فقررت العودة الى القاهرة. قبل اتجاهك الى الاخراج السينمائي عملت في الصحافة فما هي المجلات والجرائد التي عملت فيها؟ - عملت في مجلات "روزاليوسف"، و"الجيل الجديد"، و"آخر ساعة"، ثم "الأخبار" وتوقفت عن الكتابة عندما بدأت عملي السينمائي. ثم عدت الى الكتابة سنة 1967 في مجلة "صباح الخير"، وكنت أكتب فيها نوعاً من القصص التي يمكن أن نطلق عليها فن الأدب السينمائي. وقد جمعت بعض هذه القصص وسوف تظهر في كتاب قريباً. وأنا لا أدعي إنني كنت صحافياً بالمعنى المفهوم، لأني أرى أن الصحافي الذي يعمل بالقطعة لا يعتبر مستمراً، الاستمرار يعطي صفة المهنة وأنا كنت هاوياً!! لماذا فترة التباعد بين كل فيلم من أفلامك، فمثلا أول أفلامك في العام 1950، والثاني العام 1954، والثالث العام 1956، وهكذا على مدى مشوارك السينمائي؟ - لإصراري أن يخرج العمل في أكمل صورة، وأن أعمل الذي أريده، فمثلاً في فيلم "قتلت زوجتي" بطولة عماد حمدي ومديحة يسري، أصررت أن يكتب لي الحوار الفنان السيد بدير الذي رغم انشغاله في العديد من الأعمال انتظرته حتى أنتهى من أعماله، وكتب لي الحوار ونجح الفيلم بسبب إبداع حوار السيد بدير، وأنا لا أتنازل في عملي السينمائي. لم تتخصص في لون واحد من الأفلام بل قدمت جميع الألوان مثل فيلم الحركة والاجتماعي والكوميدي.. هل هذا مقصود؟ - التخصص في الإخراج يختص به مخرج بعد عمل تجارب عديدة في الأفلام، وحتى "هيتشكوك" الذي اشتهر بإخراجه لأفلام التشويق، يقال انه قبل وفاته قرر أن يعود الى الرومانسية ويحقق فيلم "روميو وجوليت" ولكن الموت اختطفه قبل إخراجه لهذا الفيلم. وفي مصر لا يوجد مخرج تخصص في نوع واحد من الأفلام على مدى مشواره السينمائي، فمثلاً صلاح أبو سيف الذي اشتهر بأنه مخرج أفلام واقعية بدأ حياته بأفلام كوميدية وغنائية وبوليسية، وفي نهاية حياته قدم فيلم فانتازيا وهو "البداية". وأيضاً المخرج كمال الشيخ الذي اشتهر بأنه مخرج أفلام إثارة وتشويق قدم أفلاماً غنائية لفريد الأطرش، والله خلق الإنسان متعدد الجوانب والانفعالات، هل يعيش الإنسان على انفعال واحد طول حياته؟ طبعاً لا، ففي حياتك اليومية قد تقابل إنساناً وتضحك من قلبك، وبعد ذلك تسمع خبراً سيئاً فتحزن، ان أي فيلم إذا خلا من النزعة الإنسانية لا يكون فيلماً، وإذا ابتعد عن العنف يكون غير طبيعي وإذا ابتعد عن المرح لا يكون حقيقياً! كل هذه العناصر تمثل العناصر التي تكوّن أحساسيس الإنسان والفيلم مثل الإنسان ينفعل وينبض، لذلك لم أتخصص في السينما وقدمت كل أنواع الأفلام ونجحت فيها! قامت الفنانة سميرة أحمد ببطولة خمسة أفلام من إخراجك، هل هي نجمتك المفضلة أم هذا تم من قبيل المصادفة؟ - سميرة أحمد نجمة مفضلة عند الكل، لكن اختياري لها كان نابعاً من صلاحيتها لتجسيد الأدوار التي لعبتها في أفلامي بالإضافة الى موهبتها الكبيرة. لماذا عندما يُذكر اسم كمال عطية يذكر فيلم "قنديل أم هاشم" والعكس صحيح؟ - ذكر أسمي أيضاً مع فيلم "سوق السلاح" وغيره من الأفلام، لكن تعلق الناس بهذا الفيلم يرجع الى أن القصة كتبها يحيى حقي، وثانياً الى شيء مهم جداً لم يلتفت إليه أحد ولا حتى النقاد، وهو حديث الفيلم عن أعز شيء لدى الإنسان، اي بصره، هذا الفيلم لعب على هذا الوتر الحساس، فخوف الناس على البطلة، وعلى مصيرها وتعاطفهم معها جعل الفيلم يدخل قلوبهم مباشرة، وفي هذا الشريط اجتمعت كل عناصر الجودة مثل اختيار الممثلين والجو الشعبي والديكور. كل هذه العناصر جعلته يحقق النجاح. ولا أنكر دور التلفزيون الذي يعرضه كثيراً مما أكسبه قاعدة جماهيرية كبيرة، وبالمناسبة كنت أريد أن أخرج الفيلم العام 1949 ليكون أول أفلامي لكن ظروفاً حالت دون إخراجه الى أن أخرجته في العام 1968، وكانت هذه القصة صعبة في تحويلها الى فيلم لكن من حبي ليحيى حقي تحديت نفسي وأخرجت هذا الفيلم الذي ظل علامة فارقة في حياته السينمائية ورغم تحول قصص أخرى له الى أفلام إلا أن فيلمي ما زال أشهر فيلم مأخوذ عن قصة ليحيى حقي. ذكريات عن رشدي أباظة كتب لك رشدي أباظة قصة فيلم "طريق الشيطان" وقام بإنتاجه، ما ذكرياتك عنه خصوصاً أنه الفيلم الوحيد الذي كتبه أباظة؟ - علاقتي برشدي أباظة بدأت قبل عمله في السينما، وعندما بدأ يخطو خطواته الأولى في السينما وقفت الى جواره ورشحته لبطولة فيلم انتاج مشترك بين مصر وايطاليا وهو "امرأة من نار" أمام كاميليا والذي تم زواجه منها خلال العمل على الفيلم، وحفظ اباظة هذا الجميل. وفي العام 1963 عرض عليّ قصة فيلم "طريق الشيطان" وقال لي "أريد أن أمثل هذا الفيلم أمام فريد شوقي"! وعندما قرأت الموضوع جذبني وعرضت عليه أن انتجه ولكنه صمم على إنتاجه واستعان بشويكار وسامية جمال لبطولة الفيلم. وكانت مباراة في التمثيل وخفة الدم والحركة بين فريد شوقي ورشدي أباظة. وحتى الآن مازال هذا الفيلم يعرض في سينما الدرجة الثانية! أنتجت فيلمين هما "عبيد الجسد" و"ليس لعصابتنا فرع آخر"، لماذا انتجت ولماذا توقفت عن الانتاج؟ - انتجت لأنني عندما وجدت موضوع فيلم "عبيد الجسد" وجدته موضوعاً جديداً على السينما المصرية في ذلك الوقت، ولهذا فضلت أن انتجه حتى يخرج بالصورة التي أتمناها، وأنا لم أتوقف عن الانتاج ولكن عندما أجد الموضوع الذي يجذبني كمخرج ومنتج سأنتجه. تعاملت مع كثيرين من كتاب السيناريو.. من هو أقربهم إليك؟ - "السيد بدير" كان أقربهم الى نفسي، وهذا يرجع الى أن إحساسنا كان واحداً تقريباً، فأحياناً كنت أفكر في شيء ما فأجده يقول الشيء نفسه، وهناك سينارست عظيم جداً تعاملت معه في فيلم "آخر من يعلم" لكن اسمه لم يكتب على ملصق الفيلم وهذا السينارست هو الممثل العملاق حسين رياض، الذي وجدت عنده ما لم أجده في كتاب كثيرين، وأيضاً لا استطيع أن أنكر جهد الكاتب عبدالحميد جودة السحار الذي تعامل معي في فيلم "رسالة الى الله"! من أفلامك الجريئة فيلم "رسالة الى الله" الذي تجمعت فيه لأول مرة 3 ديانات مختلفة، فكاتبه يهودي والسينارست مسلم ومخرجه قبطي ما ذكرياتك عنه؟ - هذا الفيلم من أحب الافلام الى قلبي، وهو بالفعل فيلم جريء جداً، فبعد فيلم "سوق السلاح" عرض عليّ ابراهيم مراد أخو المطربة ليلى مراد قصة مأخوذة عن واقعة حقيقية فأعجبتني، ونفذنا الفيلم بكل حب، أتت حكاية عمل هذا الفيلم بعيدة عن ديانتنا نحن الثلاثة، لأن الجمهور العادي لا يعلم شيئاً عن ديانتنا. الخطورة والجرأة تمثلت في اسناد البطولة لوجه جديد وهو المذيع أحمد خميس، كبطل سينمائي وأن نقدم جميلة الجميلات مريم فخرالدين مشلولة وتجلس على كرسي طوال أحداث الفيلم. وانني اليوم اتمنى من التلفزيون المصري أن يعرض هذا الفيلم الفلسفي الجميل لأنه فيلم خطير! انتجت لك الفنانة ماجدة فيلم "حديث المدينة" لكنها لم تشترك في بطولته رغم نجوميتها الساطعة في ذلك الوقت، لماذا؟ - لم تمثل في هذا الفيلم لأنها لم تجد نفسها في أي دور من أدوار البطولة، اضافة الى عنصر آخر وهو خوفها من سقوط الفيلم الذي كان من شأنه ان يؤثر على نجوميتها لا سيما إنني في هذا الفيلم استعنت بنجوم كرة القدم والذين كانوا يقفون للمرة الأولى أمام الكاميرا مثل عصام بهيج ومصطفى الصباحي وغيرهما. من أفلامك المميزة جداً والذي نال كثيراً من الجوائز فيلم "البعض يعيش مرتين"، ما ذكرياتك عن هذا الفيلم؟ - هو أول فيلم خيال علمي حقق في مصر، وأول شريط يعرض في جميع دور العرض في القاهرة في وقت واحد، وحقق نجاحاً كبيراً حيث استمر عرضه 4 أسابيع، وعرض في مهرجان "كارلو فيفاري" ونال استحسان النقاد والجمهور. وأنا اثناء إخراجي لهذا الفيلم سافرت الى تشيكوسلوفاكيا لتنفيذ خدع المشاهد الخاصة بظهور واختفاء بطل الفيلم يحيى شاهين، اذكر هنا ان الرقابة تدخلت في السيناريو أكثر من مرة الى أن اقنعتهم بأن هذا الفيلم "اسطورة" ويحكي عن التحنيط وظهور الروح بعد الموت ومأخوذ عن قصة للأديب الكبير عادل كامل وأن كل ما نتحدث عنه في الفيلم سبق أن ذكرته الكتب التي تناولت التحنيط عند الفراعنة. وفي النهاية ظهر الفيلم وحقق نجاحاً كبيراً وحتى اليوم يعتبر سابق عصره ولو عرض في السينما اليوم سينال النجاح والتقدير وأنا فخور بإخراجي لهذا الفيلم. على مدى مشوارك الإخراجي هل اكتشفت نجوماً أو ساعدت على شهرتهم؟ - نعم اكتشفت زبيدة ثروت وقدمتها في فيلم "بنت 17" قبل أن يقدمها كمال الشيخ بطلة لأحد أفلامه، وأيضاً قدمت المذيع والشاعر احمد خميس كبطل للمرة الأولى في السينما وساعدت في اندلاع شهرة حسن يوسف في فيلم "سوق السلاح". معروف أنك مؤلف أغانٍ. ما عدد الأغاني التي قمت بتأليفها وما هي أول أغنية كتبتها؟ - أول اغنية اشتهرت لي كانت من خلال الإذاعة الأهلية وكانت عبارة عن موال للمطرب محمد عبد المطلب وكان موالاً على إيقاع بعنوان "يا عشرة هوني" لحنه محمود الشريف. بعد ذلك غنت لي هند علام أخت هدى سلطان أغنية بعنوان "تعالي" ونجحت بقوة، ثم غنت لي هدى سلطان كثيراً من الأغاني داخل الأفلام مثل "على باب حارتنا"، و"الله ورمانا الشوق"، ثم غنت لي صباح الأغنية التي مازالت تتردد حتى اليوم وهي "الغاوي" أو "حسونة"، وبعد ذلك غنت لي نجاة "دوبني دوب"، ثم غنى لي كل من محمد فوزي وعبداللطيف التلباني وعقيلة راتب وغيرهم، وبلغ عدد الأغاني التي كتبتها حوالي 60 أغنية! أخيراً لماذا توقفت عن الإخراج بعد فيلم "ليس لعصابتنا فرع آخر" عام 1990؟ - لأنني لم أجد الموضوع الذي يجذبني للعودة الى بلاتوهات السينما، ولكن أخيراً ومنذ أربع سنوات وجدت موضوع فانتازيا عن "الإعدام" رفضته الرقابة أكثر من مرة لكنها وافقت عليه أخيراً وسأعود للإخراج به.