الكلمة الاولى في القرن الجديد 21 تعود لشبكة الانترنت. الكلمة الاولى لها في صناعات الاعلام والمعلومات والترفيه والاتصالات والكومبيوتر، وفي التجارة والاقتصاد ربما، والشؤون العسكرية أيضاً. هذا ما ينبئ به أول حدث في القرن 21 اهتزت له الصحافة والتلفزيون وأسواق المال العالمية. شركة صناعات الاعلام والترفيه العملاقة "تايم وارنر" التي تملك من بين ما تملك تلفزيون "سي إن إن" ومجلة "تايم" وأفلام "وارنر برذرز" أعلنت الاسبوع الماضي اندماجها بأكبر شبكة في العالم لخدمات الانترنت "أميركا أون لاين"، أو كما تُدعى اختصاراً آول AOL. حجم الصفقة 350 بليون دولار سجل رقماً قياسياً في اندماج الأعمال والشركات، والمدهش أنها تعطي حصة الأسد في الشركة الجديدة وقدرها 55 في المئة لشركة خدمات الانترنت "آول"، التي لم يكن لها وجود قبل 15 عاماً، ويقل دخلها الاجمالي العام الماضي خمس مرات عن امبراطورية الاعلام والترفيه "تايم وارنر". "آول"، التي لا تنتج المعلومات ولا تملك وسائل نقلها احتوت "تايم وارنر"، التي تنتج ملايين المعلومات، وتملك دور نشر وتلفزيوناً عملاقاً وأرشيفاً يضم آلاف المنتجات الاعلامية والترفيهية. كيف حدث هذا؟ ....هل تقلب الانترنت في القرن الجديد الاقتصاد الرأسمالي التقليدي على رأسه، كما يعتقد بعض المراقبين؟...وهل يمكن أن تكرر الانترنت فعلها مع الميادين الاخرى التي تتغلغل إليها في الطب والتعليم والتجارة والاقتصاد والسياسة... وحتى الحرب والشؤون الاستراتيجية؟ "مغرفة" الانترنت اسم الشركة العملاقة الجديدة "آول تايم وارنر"، وستحتفظ الماركة المسجلة لها بالاسم الشائع لشركة الانترنت "آول" فقط. ويعبر انشاء "آول" عن تلاقي convergence أو تزاوج تكنولوجيات التلفزيون والهاتف والكومبيوتر. وترى صحيفة "نيويورك تايمس" أن "الاتصال بالانترنت من المنزل يشبه الآن محاولة تناول صحن كبير من الحساء الدسم بواسطة عيدان الطعام الصينية. الشركة الجديدة تسعى الى توفير مغرفة طعام". تضم قائمة الطعام مجلات اسبوعية عالمية، مثل "تايم" السياسية و"بيبل" الشعبية و"فورتشن" الاقتصادية و"إنترتينمت" الترفيهية. ويتيح الاندماج لمشتركي شبكة الانترنت استخدامها لسحب نحو 5700 فيلم سينمائي من انتاج "وارنر"، ويضع في المقابل للمشتركين في تلفزيونات الكيبل التابعة "تايم وارنر" خدمات الانترنت التي يقدمها العمالقة الثلاث المنضمون إلى الشركة الجديدة "آول" و"كومبيوسيرف" و"نيتسكيب". واعتبرالمراقبون الحدث إيذاناً بميلاد اعلام جديد، يغير بشكل جذري الطرق التي يتلقى بها الناس المعلومات ويجرون الاتصالات ويشترون السلع ويرفهون عن أنفسهم. قانون الثورة وقال جيرالد ليفين الرئيس التنفيدي للشركة الجديدة أن "الثورة الرقمية شرعت فعلاً بأنشاء منفذ فوري لا مثيل له الى كل نوع من الاعلام واطلاق امكانات جبارة للنمو الاقتصادي والفهم البشري والتعبير الابداعي". واعتبر ستيف كيس، رئيس الشركة الجديدة الصفقة بمثابة "فرصة العمر" لتحقيق الوعود في أن تملك شبكة الانترنت في حياة الناس "الأهمية نفسها التي للهاتف والتلفزيون، بل أكثر نفعاً". والنفع الأكثر يحدده قانون الثورة التكنولوجية الذي يقول أن "حصيلة تزاوج التكنولوجيات أكبر من مجموعها". وقد يفسر هذا القانون لماذا تزيد قيمة شركة خدمات الانترنت "آول" في سوق الأسهم مرة ونصف المرة عن "تايم وارنر"، مع أن دخلها الاجمالي للسنة الماضية بلغ 5 بلايين دولار، في حين بلغ دخل "تايم وارنر" 27 بليون دولار. تفسير ذلك في رأي صحيفة "إندبندنت" البريطانية أن "قيمة "آول" تعود الى المستقبل، أو بالأحرى الى توقعات الناس حولها. في حين تعود قيمة "تايم وارنر" الى الماضي. باختصار: الاعلام الجديد ابتلع الاعلام القديم". "قرن الانترنت" جاء في الاعلان عن تشكيل "آول تايم وارنر" أنها "تنشئ أول شركة اعلام واتصالات متكاملة تماماً في العالم لقرن الانترنت". وقالت صحيفة "يو إس أي توداي" عن الصفقة أنها "واحدة من الأحداث التي تغير العالم بين ليلة وضحاها". قد يصح ادعاء الصحيفة الأميركية بالمعنى الرمزي للحدث. فنسبة 95 في المئة من سكان العالم المحرومين من الانترنت لم تتغير قبل أو بعد الاعلان عن الصفقة. وغير صحيح ما يقال من أن الشبكة القادرة على دمج عمالقة الاعمال الأميركية في الاتصالات والاعلام قادرة على أن تدمج العالم. هذا غير ممكن على الأقل من دون إنشاء خطوط الاتصال العريض Broadband القادرة على استيعاب اتصالات الهاتف والتلفزيون والكومبيوتر وبلايين الأجهزة اليومية. تعترف بذلك مجلة الانترنت الأميركية "وايرد" Wierd. ومعروف لكل مشترك في الانترنت أن خطوط الهاتف الحالية تستغرق على سبيل المثال ساعات من أجل جلب فيلم فيديو واحد عبر الشبكة. ويعاني مشتركو الانترنت في العالم الثالث خصوصاً من ضعف استيعابية خطوط الهاتف وانقطاع الاتصالات، بل انقطاعات التيار الكهربائى. والشرط الثاني بعد توفير خطوط الاتصال العريض، هوتوفير خدمات الانترنت والاتصالات بأسعار رخيصة. من دون ذلك يستحيل الدخول الى "قرن الانترنت". يؤكد ذلك أركي ليكانن، المفوض الأوروبي ل"مجتمع المعلومات والمؤسسات". التحول الدرامي وينبغي في رأي المفوض الأوروبي تغيير ثلاثة جوانب أساسية، وهي: أولاً توفير أجهزة كومبيوتر قادرة على التعامل الكثيف مع الانترنت دون خلل. وثانياً، خطوط الهاتف التي تمثل العمود الفقري للانترنت ينبغي أن تكون عريضة النطاق لتأمين الاتصالات بالانترنت دون إعطال أو تأخير. وثالثاً، ينبغي تيسير شبكة الانترنت نفسها وتأمين عملها. فالتعقيد الذي يسود الشبكة يجعل العثور على المعلومات المطلوبة عملية شاقة ومخيبة للآمال. هنا بالذات يكمن سر نجاح شركة خدمات الانترنت الأميركية "آول"، التي توفر للمشتركين بيئة إنترنت سريعة وفعالة وسليمة. ويشبه الوضع في مطلع "قرن الانترنت" اعداد كميات هائلة من الطعام من دون توفير وسائل ايصالها الى المدعوين. يظهر ذلك في تنافس الشركات في تطوير البرامج "سوفت وير" ووضع التطبيقات والبروتوكولات التي تتيح التخاطب بين أجهزة الكومبيوتر والمعدات المحمولة باليد والهواتف الجوالة والتلفزيون وحتى الأدوات المنزلية. هذا التحول الدرامي ينقل قدرات الكومبيوتر من الأجهزة المكتبية الضخمة الى الهواتف الذكية والأدوات اللاسلكية اليدوية للاتصالات وحفظ المعلومات. ويتم الآن تطوير أجهزة منزلية تحتوي على مرسلات ومجسات صغيرة جداً تتيح لها القيام بأعمال الصيانة بنفسها ومتابعة ذخيرة المنزل ومحتويات البرادات واجراء الفحوص اليومية لصحة ساكني المنزل وقياس درجات ضغط الدم والسكري وحجز مواعيد لهم عند الحاجة مع الطبيب المختص.