لا أظن مسلماً يجرؤ على ما جرأ عليه الاستاذ حسين احمد امين، في مقالتيه المتلاحقتين في "الحياة"، واللتين نشرتا في سيد شهور السنة عند المسلمين، الذي ترتفع فيه اسهم العمل الصالح عندهم، ويسعون فيه الى طاعة ربهم، ففي هاتين المقالتين، الاولى منهما نشرت بعنوان سبل انتقاء الصحيح من الأحاديث في يوم الأحد 4/9/1420ه، والثانية نشرت بعنوان الجذور الستة للاحاديث الموضوعة يوم الجمعة 23/9/1420ه، وفيهما لم يترك الاستاذ حديثاً صحيحاً الا وشكك في صحته، ولم يترك عالماً من علماء سلف الأمة وخلفها الا وشكك بأنه يضع الأحاديث ويختلقها، ودهشت بهذا التطاول على الأمة وعلمائها ودينها، ودهشت اكثر ان تتولى صحيفة عربية دولية نحترمها نشر هذا التطاول، غير آبهة بمشاعر المسلمين، الحريصين على سنة رسولهم المصطفى عليه افضل الصلاة والتسليم -، وقد رددت على مقالته الاولى بمقال في حلقتين في صحيفة "المدينة" السعودية في زاويتي المسماة "وميض"، بعنوان أوهام حول السنة في يوم الاثنين 12/9/1420ه، ويوم الثلثاء 13/9/1420ه، ولكن الاستاذ امين عاد الى كتابة مقاله الثاني المطول، الذي احتل غالب الصفحة رقم 19 من "الحياة"، غير آبهٍ بكل تلك الردود التي ظهرت في "الحياة" وفي غيرها، فرأيت ان اكتب هذ المقال رداً عليه وان ارسله للصحيفة، التي نشرت تطاوله على سُنّة نبينا وامامنا وقد حُذِّرنا من قوم يأتون آخر الزمان، يتكأ احدهم على اريكته يقول لا نأخذ الا بما جاء في كتاب الله، يفرقون بين الكتاب والسنة، فهم اعداء الدين الذين لا يريدون ان تتبع احكامه. وعلى رغم ان ما يذكره في جذره الثاني هو من اسباب الوضع الا انه يبالغ فيه، فظهور الفرق والمذاهب السياسية وشيوع الاختلاف أدى الى ظهور الوضاعين الكذابين، ولكن لم يقل احد ان العباسيين والأمويين بجملتهم وضعوا الأحاديث لتأييد سلطتهم وسلطانهم، وان الفقهاء وضاعون، رغم انه يصفهم بالاتقياء ثم يتهمهم باختلاق الاحاديث لتأييد الحكام، ويستشهد بأحاديث بعضها معلوم الوضع محكوم عليه به، وبعضها صحيح مشتهر بالصحة، بما يدل على الاستاذ لا يفرق بين الحديث الموضوع والحديث الصحيح، لأن هواه مع انكار السنة كلها، والتشكيك فيها، كما انه لا يعرف ما تدل عليه المصطلحات الاسلامية، فالتقوى التي تعني اتباع ما امر الله واجتناب ما نهى، لا يتصف بها الكاذب المختلق لحديث يكذبه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتقي لا يكذب وهو يعلم ان الكذب من كبائر الذنوب، التي تورد صاحبها النار، فهو مما نهى الله عنه ووجب اجتنابه. وفي جذره الثالث المزعوم يدعي بلا دليل ولا حجة ولا برهان "ان الخلفاء والولاة كلما ارادوا تحقيق غرض او فرض رأي او انتهاج سبيل سياسي ينقبون عن حديث صحيح يوافق غرضهم، فان لم يجدوا حديثاً اخترعوه، وكانوا دائماً يجدون بين اتقى الفقهاء ممن كانوا يجرون الرواتب عليهم من هو على استعداد لمساعدتهم". فيردد ما ردده غولدتسيهر من قبل ان عبدالملك بن مروان صد الناس عن الحج ومنعهم ان يحجوا ما دام ابن الزبير أميراً بمكة، فيعتمد على أوهام غولد تسيهر السيئ القصد، والمعتمدة على روايات لم تصح، ويترك ما رواه الاثبات من المؤرخين كالطبري، من ان اهل الشام كانوا يحجون الى البيت الحرام فترة امارة ابن الزبير، لم يمنعهم الامويون ولم يردهم ابن الزبير، ويستشهد على ما يقول من ادعاء وضع الاحاديث بما استشهد به استاذه من قبل غولد تسيهر وهو حديث لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد وهو حديث صحيح اخرجه الامام البخاري واخرجه الامام مسلم من ثلاث طرق، ويتهم الامام ابن شهاب الزهري بأنه وضعه لصدّ الناس عن الحج، ليحجوا بزعمه الى بيت المقدس، على رغم صحة الحديث، وعلى رغم انه لم يفهم احد من العلم يعتد برأيه لا في عهد بني امية ولا قبله ولا بعده مثل هذا الفهم السقيم، ولكن غولد تسيهر رجل حاقد قصد تشكيك المسلمين في دينهم وأراد تشويه تاريخهم، والعجيب ان يتابعه الاستاذ حسين لمجرد ان أباه قد وقع في خطأ من قبله في متابعة هذا المستشرق، وبدلاً من تصحيح خطأ أبيه طلباً للحق، اخذ ينقل الينا شبه الحاقدين التي عفا عليها الزمن. وابن شهاب عند المحدثين ثقة لم يلتفتوا قط الى ما قاله مكحول عنه انه أفسد نفسه بصحبة الملوك، فسيرة ابن شهاب رحمه الله تدل على انه كان يعظهم ويغلظ لهم القول ولم يخضع لهم قط. وفي جذره الرابع المزعوم يتحدث عن اتقياء لا يرون بأساً في قبول احاديث منسوبة الى الرسول - صلى الله عليه وسلم - تحث على مكارم الاخلاق او تنهي عن شرٍ، وهي احاديث موضوعة كما يدعي، والغريب انه يضرب لها مثلاً بحديث صحيح لم يضعفه احد وهو المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، ولا اظن ان الاستاذ حسين يعلم ان الحديث الضعيف الذي يستأنس به العلماء في الحث على فضائل الأعمال، وان لم يتخذوه دليلاً عليها، انما هو حديث تقوى بتعدد طرقه، وليس الحديث الموضوع، فهذا لا يستأنس به احد حتى وان دل على خير او حث على مكارم اخلاق او نهى عن شرّ، ففي ما صح من الأدلة قرآناً وسنة، وفي قواعد ومقاصد الشريعة ما يغني عنه، وليس بين فقهاء الاسلام المعتبرين جميعاً منذ ظهور الاسلام وحتى اليوم من يرى ان الغاية تبرر الوسيلة ، لأن هذا يعارض احكام دينهم ومقاصده، فلا بد عند السعي لتحقيق الغاية النبيلة ان تكون الوسيلة مشروعة ايضاً، ولكن اوهام المستشرقين لا حد له ولا حصر، وتلامذتهم غير النبهاء يتابعونهم من دون وعي او ادراك، وأعظم اتهام لعلماء الأمة لم يجرأ عليه اكثر اعداء الاسلام ضراوة هو ما ردده حسين امين حينما قال: "وعلى هذا فان البعض لم يتورع ان ينسب اقوالاً وردت على ألسنة انبياء العهد القديم او في العهد الجديد، فقوله: انصر أخاك ظالماً او مظلوماً انما هي مثل عربي قديم وقوله: الخير معقود بنواصي الخيل تضمنها بيت لامرئ القيس، فافتراض حسن في غالبية هؤلاء لا مجال لفرضه، فان وجه الناس بحديث من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"، وهو ايضاً حديث من الجائز ان يكون قد وضعه من ساءه افراط القوم في وضع الحديث، وقال "انهم اضافوا بعد كلمة عامد اي متعمد "ليضل الناس"، حتى يجوز اختلاق ما لا يقصد به اضلال، وفسروا كلمة عليّ على انها عكس لي بمعنى ان الكذب لمصلحة الدين لا حرج فيه". وهي اقوال لا مصدر لها الا خيال الاستاذ، فلم يرو احد من علماء الأمة الاسرائيليات على انها من اقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وان رووا شيئاً مما نسب الى الرسل قبله فانما لتعضيد حقائق جاء بها الاسلام، لأنهم جميعاً يعلمون ان شريعة الاسلام ناسخة لما سبق من شرائع الرسل قبل نبينا صلى الله عليه وسلم، وهم لا يعتبرون شرع من قبلنا شرع لنا الا اذا لم يعارض ما جاء في شريعتنا وصحت نسبته الى شرع رسول قبل رسولنا، ولكن الاستاذ حسين لا علاقة له بالعلم الشرعي، يحصر نفسه في ما كتب المستشرقون عن الاسلام، وما رددوه من شبه يثيرونه حول السنة النبوية، فليست هذه افكاره التي وصل اليها بعد دراسة علمية، وانما هي ترديد لمقولاتهم، وهو لا يريد الا شيئاً واحداً ان ينكر ان الحديث مصدر للأحكام الشرعية، ليهدم بذلك اصول الدين وأركانه، وهيهات ان يتاح له ذلك، فهو لا يعرف الحديث الصحيح وشروط صحته عند اهل العلم به، لذلك جعل الحديثين الآنفي الذكر مما اختلقه بزعمه المسلمون، واحدهما صحيح وهو حديث: انصر أخاك ظالماً او مظلوماً والآخر متواتر قطعي الورود وهو حديث: من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. وفي جذره الخامس المزعوم يناقش قضية عفا عليها الزمن اثارها من قبل غولد تسيهر عن الصحابي الجليل ابي هريرة رضي الله عنه، متهماً اياه بوضع الحديث، وقد تناول العلماء شبهته تلك وردوا عليها بالتفصيل وألفوا في ذلك الكتب، وان كان أبو هريرة مزاحاً فهو لا يمزح الا بحق، وهذا لا يعيبه، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمزح ولا يقول الا حقاً، ولم يسمه احد من اهل الحديث او غيرهم من اهل الاسلام الكذاب الورع، وانما هي افتراءات امثال غولد تسيهر وشبرنغر من المستشرقين واتباعهم كحسين احمد امين ومحمود ابورية صاحب اسوأ كتاب المسمى أضواء على السنة المحمدية، وهم يتبعون امثال لهم من اهل الشبه والأهواء كالنظام والمريسي والبلخي، وابن عمر رضي الله عنه ما شك في حديث ابي هريرة رضي الله عنه قط، وان استوثق من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في بعض مروياته، ولكن الهوى المغرض يقود الى تشويه الحقائق. وفي جذره السادس المزعوم يقول الاستاذ حسين: "لم يكن عامل التقوى او العوامل السياسية والمذهبية او النعرة الاقليمية او الرغبة في ارضاء الخلفاء بالدوافع الوحيدة على وضع الأحاديث، فكان ثمة ايضاً عامل الترفيه والتسلية وحب الكسب، وهو ما زاد الطين بلّة، والفوضى شمولاً، ذلك ان طبقة من القصاص عرفت طريقها الى المسجد والشارع ونزولاً على مستوى العامة راعوا أذواقها وأهواءها واتحفوها بمجموعة من الاحاديث يستهويها مضمونها". ولم اجد قط من وضع سبباً لوضع الحديث التقوى حتى من المستشرقين انفسهم، فالتقوى هي احد اسباب ردع المسلم على التقول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله، بل انها احد الشروط الأربعة التي اعتمدها المحدثون لراوي الحديث، فما العدالة الا ان يكون الراوي ممن يأتي بالواجبات ويترك المحرمات، وان يكون ذا مروءة بحفظ عرضه، فجزؤها الأعظم التقوى، ولكن الاستاذ حسين لم يدرك معنى التقوى، ولو ادرك معناها وآمن بها لما خط بيمنه كل هذه الأوهام ليشكك في السنة النبوية، ولما اعتمد على اقوال اعداء الاسلام من المستشرقين الحاقدين على الاسلام وأهله، واما القصاصون وهم وعاظ فليسوا جميعاً من الوضاعين، فمنهم الصالحون الأتقياء، ومنهم من وضع احاديث منكرة، وهم معلومون معروفون عند علماء الحديث رواية، ولم يأخذ احد من العلماء بأحاديثهم المنكرة، ولكن القصد من كل ما طرحه الاستاذ حسين في مقالتيه هو ان يوحي بأن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلها موضوعة مختلقة ليصرف الناس عنها فحسبي الله. جذور الأوهام عرضنا لأوهام الاستاذ حسين أحمد أمين في مقاله المعنون "الجذور الستة للأحاديث الموضوعة"، وبدأنا مناقشة الجذر الأول منها ولم نستوف الحديث عنه. فالاستاذ حسين يقول فيه: "ومن ثم فقد رأوا احكام السنة ملزمة في الحالات التي لم يرد بصددها حكم قرآني على أساس ان لها مصدراً الهياً، ثم بدأت محاولات بعد ذلك من اجل رفع احكامها الى مصاف الاحكام القرآنية في ما يتصل بالتشريع". وهو لا يرى ذلك لما ثبت عنده بالأوهام التي أثارها المستشرقون، فالسنة عنده كلها مختلقة لمواجهة حال طارئة عند توسع الدولة الاسلامية، على رغم ان اجماع المسلمين بكل طوائفهم وفرقهم على ان السنة المصدر الثاني الأساس للتشريع واستنباط الأحكام لا يشذ منهم أحد عن ذلك، وأحكامها كأحكام القرآن ملزمة واجبة التطبيق لأن الله عز وجل يقول: "والنجم إذا هوى ما ضلّ صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى". وهو ما يقتضيه العقل والشرع، فإذا كان القرآن لم يرد إلا بالأمر بالصلاة، فقد جاءت السنة بتفصيلاتها وكذلك الزكاة، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مفسّر للقرآن مفصل ومبين لما اجملته آياته، أليس الله عزّ وجل يقول: "وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم ولعلهم يتفكرون". وقدوتنا حبيبنا وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على يقين أنها ستنشره ايماناً منها بحرية التعبير وكفالة حق الرأي الآخر في ان يظهر ويناقش، وهو ما دعاها على ما أظن لنشر أوهام الاستاذ حسين في مقالتيه، فأقول: ان ما كتبه غفر الله له زلته، اذا قرأه من له أدنى اطلاع على الحديث وعلومه، يدرك ان كاتبه لا علم له بذلك، وان ما يردده لا يزيد عن شبه أثارها المستشرقون في مطلع القرن الميلادي الماضي وقبله، واعتنى بترديدها منهم غولد تسيهر وغاستون ويت وشبرفز، وتابعهم كثير من المستشرقين ذوي النوايا السيئة، الذين أرادوا تشكيك المسلمين في دينهم. والذي يؤسف له ان والد الاستاذ حسين تابعهم في هذا في مؤلفاته، خصوصاً "فجر الاسلام" منها، حينما قال: "وقد وضع العلماء للجرح والتعديل قواعد، ليس هنا محل ذكرها، ولكنهم والحق يقال عُنوا بنقد الاسناد اكثر مما عنوا بنقد المتن، فقل ان تظفر منهم بنقد من ناحية ان ما نسب الى النبي صلى الله عليه وسلم لا يتفق والظروف التي قيلت فيه، او الحوادث التاريخية الثابتة تناقضه، او ان عبارة الحديث نوع من التعبير الفلسفي يخالف المألوف في تعبير النبي، او ان الحديث اشبه في شروطه وقيوده بمتون الفقه. وهكذا لم نظفر منهم في هذا الباب بعشر معشار ما عنوا به من جرح الرجال وتعديلهم". ثم حكم على احاديث صحيحة في السند والمتن بالوضع لسوء فهم لمدلولها وما تعنيه ألفاظها، وأثار بأقواله تلك معركة حول تلك الشبه، كان هو منها في صف وحده، وعلماء الأزهر الشريف وسائر علماء الأمة في صف يعارضه، وكتبهم في الرد عليه معروفة متداولة، الا ان الملفت للنظر ان الأب - رحمه الله وغفر له - لم يدع ان السنة كلها موضوعة، كما انه كان على اطلاع على علوم الحديث، اما الإبن في مقاله الأخير فهو منكر للسنة بمجملها صحيحها وضعيفها وموضوعها، كما سنثبت في ما سنسرده في هذه المقالة من جذوره الست، ولا علم له اصلاً بعلوم الحديث، لأن ما كتبه لا علاقة له بها من قريب أو بعيد. ففي التمهيد لمقاله هذا يعود الى فكرة الاختلاق، وهي التهمة التي وجهها لأمة الاسلام كافة، ولم يسلم منها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك سلف علماء الأمة وعلى رأسهم الأئمة الأربعة، على رغم ترديده في وصفهم اجلة العلماء او الاتقياء، فأجلة العلماء لا يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يدعي، والاتقياء الذين يطيعون الله في ما أمر وينتهون عما نهى لا يكذبون على رسوله، وربهم ينهاهم عن ذلك. والإمامان البخاري ومسلم - رحمهما الله - لم يصرحا قط ان شيوع اختلاق الاحاديث هو سبب تصنيفهما للصحيحين كما ادعى الاستاذ حسين. وهذان الكتابان تلقتهما الأمة بالقبول ورأت فيهما اصح كتابين بعد كتاب الله، وذلك لما اشترطاه من شروط قاسية لاثبات صحة الحديث، مما جعل المروى فيهما اعلى الاحاديث صحة عند الجميع، وان يأتي من يتهمهما بالاختلاق، وانهما رويا احاديث موضوعة من دون ان يكون له دليل أو برهان على ذلك، فإنه لا مفر ان نعتبر اقواله اوهاماً، يدفع اليها سوء نية مبيت نحو سنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم - لا لشيء سوى ترديد مقولات الحاقدين على الاسلام، تجدها في كل ما توهمه جذوراً لوضع الحديث. وأول جذور أوهامه ما ادعاه "من ان التوسع الجغرافي الهائل للدولة الاسلامية بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وازاء ضغط الظروف التاريخية الجديدة الدائبة التغير واختلاف المكان والزمان، وجد سكان تلك الدولة انفسهم، وقد باتوا في حاجة الى التنظيمات وشرائع اكثر تعقيداً وأوفى تفصيلاً، من تلك التي تحكم اوضاع المجتمع الاسلامي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وتنظيم شؤونه الدينية والاجتماعية والسياسية". وهو في رأيه ما دعاهم الى وضع الحديث اذ يقول: "ومن ثم لجأ الفقهاء والعلماء المؤمنون بضرورة الاجتهاد وإعمال الرأي الى تأييد كل رأي يرونه صالحاً ومرغوباً بحديث يرفعونه الى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصبح هذا المسلك من الأمور اليسيرة نسبياً بعد انقضاء جيل الصحابة، الذين كان بوسعهم وحدهم ان ينفوا ان يكون الرسول تحدث بهذا الحديث او ذاك، وهذا ما هدأ من روع الفقهاء وطمأن ضمائرهم ان يتقولوا على النبي اعتقاداً منهم انهم يخدمون بذلك دين الاسلام". وبهذا الافتراء المحض الذي لا سند له من علم او تاريخ موثوق الا ما تخيله هذا الحاقد المستشرق غولد تسيهر. حكم حسين أحمد أمين على جمهور الأمة في خير قرونها وأقربها الى نزول الوحي انهم كذابون مختلقون، حينما زعم ان توسع دولتهم دعاهم الى وضع احاديث ينسبونها الى رسولهم الكريم - صلوات الله وسلامه عليه - ثم بافتراء اشد على سلف الأمة من علمائها الأبرار ومن ضمنهم الفقهاء الأربعة، الذين ظهروا في الفترة المتحدث عنها، انهم يختلقون الاحاديث ليؤيدوا ما اجتهدوا فيه، ولن تجد افتراء كهذا الا عند من اشتد حقده على الاسلام وأهله، ولا علم له اصلاً بالعلم الشرعي، ولم يطلع قط على تاريخ المسلمين، حينما وضع علماؤهم قواعد علم الحديث رواية ودراية، والذي ضبطوا به ما روى عن رسولهم وتشددوا فيه غاية التشدد، حتى لا يتعبدوا ربهم الا بما شرع لهم، وتتبعوا وضع الاحاديث وأسبابه وأحصوا الوضاعين وعرفوهم، وحددوا العلامات التي يعرف بها الحديث الموضوع سنداً ومتناً، ونفوا عن سنة نبيهم كذب الكاذبين وتقول المتقولين، وكل ذلك مدون في كتب أهل العلم بالحديث، مما لا يعرفه ولم يطلع عليه الاستاذ أمين، وهو يحمل معول الهدم ليقوض به سنة النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ليهدم بذلك الدين ويشكك في احكامه، ولن يستطيع ان يصل الى مراده، فقد سبقه من افترى من اعداء الاسلام مثل هذا فلم يفلح، وللحديث صلة. * كاتب سعودي