في متحف التراث الشعبي في القاهرة، مجموعة من الوان التراث المميز لمحافظات مصر التي يتناثر عدد منها في محاذاة وادي النيل الضيق ودلتاه، او تلك التي تتراص على جانبيه في واحات الصحراء الشرقية والغربية الى حلايب وشلاتين، فضلاً عن تراث المحافظات التي يحتضنها البحر الاحمر. والمتحف الذي تستعد وزارة الثقافة المصرية لنقله الى مقره الجديد في اكاديمية الفنون في الهرم - بدلاً من موقعه الحالي في وسط القاهرة - يحوي كل اشكال التراث بدءاً بالزي التقليدي والحلي، وانتهاءً بالعادات والتقاليد وطقوس الحياة المختلفة. ومتحف التراث الشعبي مفتوح مجاناً امام جمهور الزائرين والدارسين والاختصاصيين. وكان أنشئ كأحدأقسام مركز الفنون الشعبية بقرار وزاري عام 1957، بغية حفظ اشكال التراث المميزة لمحافظات مصر وحمايتها من الاندثار. وتقول مديرة المتحف السيدة عواطف سلطان ان المركز منذ انشائه يعمل على ارسال بعثات من الباحثين الى محافظات مصر النائية والقريبة لجمع اشكال التراث المميز لكل منها، المادي منه والمعنوي. ويشمل التراث المادي الملابس وادوات الزينة والصناعات البيئية والآلات الموسيقية، اما المعنوي فهو العادات والتقاليد الخاصة بكل محافظة. واهتمت البعثات بجمع اثواب المناسبات، وهي ثوب "العرس" الذي تعده الفتاة وتطرزه وهي لم تتجاوز بعد سن 9 سنوات الى يوم عرسها. وبعد الزفاف، يكون هو فستان المناسبات الذي تذهب به الى افراح الاقارب والاصدقاء. وهناك ثوب العزاء، وقد يستغرق اعداده 4 سنوات او ما يزيد وتعده الفتاة لما بعد الزواج حين يتحتم عليها انه تؤدي واجب العزاء، وهو من اهم الواجبات الاجتماعية في الريف المصري والصعيد. وتختلف طرق تطريز ثوب العروس من منطقة لاخرى، فالفتاة في صعيد مصر تستخدم الخيوط الذهبية والفضية، بينما تلجأ الفتاة من الشرقية وسيوة الى الخيوط الملونة على قماش اسود اللون، ويستخدم معه برقع ذو أشكال زخرفية. وهناك جلاليب شعبية محلاة بالملاليم النحاسية او الفضية. اما الحلي الشعبية فهي كثيرة ومتنوعة واكثرها انتشاراً العجايص وهي عبارة عن دلاية طويلة تضعها الفتاة على جانبي البرقع للزينة وقد تكون من الفضة او الخرز الملون أو الكهرمان، وكذلك الجنعة وهي غطاء رأس طويل مليء ابلزخارف يتدلى على ظهر المرأة مخفياً وراءه ضفيرة الشعر. كما يوجد الدملك وينتشر بشكل واضح في الواحات، وهو عبارة عن سوار عريض من الفضة ترتديه الفتاة بالاضافة الى الخلخال ويصنع من الفضة. كما تشتهر الحلي الشعبية المصرية بالاغرو وهو عبارة عن قلادة ثقيلة الحجم وكبيرة عرفها الفراعنة، واستمرت مع احفادهم وترتديها المرأة الصعيدية من الذهب، وفي الواحات من الفضة الثقيلة. اما حذاء العروسين فهي شديدة التميز اذ انها تصنع من الجلد، وتغطى بالزخارف اليدوية البديعة المصنوعة من الخيوط الملونة. ويتضمن المأثور الشعبي المصري "صندوق العروسة"، وهو ركن اساسي في جهاز اي فتاة، وهو عبارة عن صندوق خشبي مغطى بالصاج، وعليه وحدات زخرفية، تشتريه المرأة لابنتها منذ صغرها، وتظل تجمع فيه حاجياتها من الملابس والحلي الى يوم العرس. اما ثوب العزاء، فتصنعه المرأة في الواحات من القماش الاسود ويطرز باللون الازرق في حين ترتدي المرأة في الريف والصعيد الملس وهو ثوب اسود فضفاض يخلو من التطريز. بينما ترتدي المرأة في السواحل الكركة وهي ملاءة لف ترتديها السيدات المتقدمات في السن ايام الحداد. من اشهر الازياء الشعبية المصرية البرقع والذي يعد رمزاً للخفر والحياء في المجتمع الشرقي، وهو عبارة عن قطعة قماش من الحرير أو القطن الخفيف يسمح للمرأة بالتنفس بصورة طبيعية، وتصبغ المرأة البدوية قماش البرقع بمواد من البيئة النباتية، وهو يختلف من قبيلة لأخرى فقد يكون مطرزاً بالخيوط او الملاليم الفضية، وهو يمثل دفتر توفير للمرأة. فالقطع الذهبية التي تضيفها المرأة للبرقع قد تبيعها اذا اضطرت لمواجهة ظروف الحياة، كما انه قطعة رئيسية تورثه الام لكبرى بناتها اما القطع الذهبية فتورثها للابناء الذكور. وتقول سلطانة أن النوبة أغنى مناطق مصر بتراثها. واشهر الحلي النوبية "الخزام"، وهو قرط مفتوح من الجانبين يعلق في الانف، و"جمرجوبا" وهو قرط ذهبي كبير للاذن، و"الصافة" وهو عقد ذهبي كبير يتدلى على صدر المرأة، وجميعها حلي السيدة المتزوجة. اما الفتاة فلا ترتدي من الذهب الا دينار صغير في منتصف الرأس، والشوشار وهي حلي من الذهب والفضة يتم تضفيرها مع شعر الرأس، ومعظم حلي المرأة النوبية على شكل مفتاح الحياة الفرعوني. اما ثوب المرأة فهو "الجرجار" في جنوب النوبة، وفي الشمال "الشجه" وهو ثوب اسود مطرز من الدانتيل مع طرحة من القماش نفسه للرأس. ويرتدي الرجل النوبي جلباباً ابيض قصيراً اسفله سروال طويل. ويضع على رأسه عمامة بيضاء، بينما يرتدي الشباب طاقية مزركشة بألوان جميلة. وتتباين اشكال الصناعات والحرف البيئية، فتعتمد على ما تحويه البيئة من ادوات، فتنتشر صناعة الفخار في القاهرة والوادي الجديد، بينما تكثر منتجات الخوص في الواحات، واشهرها المرجونة وهي صندوق من الخوص الملون او قطع القماش لحفظ الاطعمة داخل المنزل من البقول والخبز، او تستخدم اثناء التنقلات خارج المنزل. وتصنع صواني تقديم المشروبات للضيوف من الخوص. وتنتشر صناعة الأكلمة، وهي نوع من السجاجيد التي تعتمد على الزخارف اليدوية، وتوضع امام الدار للجلوس وتعرف ب"البرش". وتقول سلطان ان المتحف يحوي القطع التراثية الاصلية التي يعود تاريخ عدد منها الى ما يزيد على نصف قرن، ولا تتجه الى شراء القطع المقلدة لأن المطلوب هو حفظ الاصل، لأن زخارفه يدوية الصنع، ولعل سيناء هي اكثر المناطق في مصر حفاظاً على تراثها من الاندثار او الضياع. وتضيف ان ابناء سيناء التفتوا الى تراثهم في وقت مبكر، وتحديداً اثناء الاحتلال الاسرائيلي في 1967، اذ كانت اسرائيل تحاول سرقة هذا التراث لتنسبه الى نفسها، فقام بدو سيناء بحمايته وحفظه. ويقول الباحث في التراث الموسيقي محمد الجندي ان في كل محافظة توجد آلات مميزة، وكلها ذات اصول فرعونية، اذ وجدت منقوشة على جدران المعابد الفرعونية. ففي النوبة يستخدم الدف والطبلة والطبمورة، الاخيرة تشبه السمسمية، وان كانت تختلف عنها في ان اوتارها من جلد امعاء الحيوانات، بينما اوتار السمسمية من الاسلاك المعدنية. وفي صعيد مصر، توجد الربابة. وهي نوعان: الاولى ربابة الشاعر وهي ذات وتر واحد اذ لا يحتاج منشد الشعر الى نغمات كثيرة، والثانية: ربابة "المطرب" وهي ذات وترين. وهناك المزمار الصعيدي، وهو عبارة عن اسطوانة خشبية مخروطية الشكل تصنع من البوص، وهو يختلف عن المزمار البلدي في ان الاخير تصاحبه آلة صغيرة تعرف ب"سبس" لإصدار اصوات حادة. ويوجد في صعيد مصر الأرغول وهو عبارة عن عصايتين متلاصقتين، من البوص فيهما ثقوب عدة تعطي من خلال الضغط عليها نغمات ذات طبقات متوسطة وغليظة. وفي الوجه البحري فإن الآلة الموسيقية السائدة هي الطبلة، وتعرف ب"الدرابوكة" وتصنع عادة من الفخار، وتغطى فتحتها الكبرى بجلد سمك أو ماعز، بالاضافة الى "الرق" وهي طبلة مزودة بشخاليل لإحداث ايقاع معين. وايضا توجد "البازة" وهي احدى آلات المحمل التي كانت تستخدم اثناء نقل كسوة الكعبة من مصر الى السعودية وهي عبارة عن طبلة نحاسية كبيرة مشدود عليها من الناحيتين جلد ماعز، ويدق عليها بعصايتين، وهي نفسها طبلة المسحراتي المشهورة، بالاضافة الى الصاغات وغالباً تستخدمها الفرق الدينية. اما مدن القناة فالآلة الموسيقية السائدة لديها هي "السمسمية". وتتحدث الباحثة نعمة محمد عن العادات والتقاليد المصرية وتقول: "احد اهم مكونات المتحف القسم السماعي، ويحوي شرائط مسجل عليها الاغاني والحواديت التي تعبر عن العادات والتقاليد التراثية المصرية المرتبطة بدورة الحياة من طقوس ليلة الحنا والخطوبة وليلة الدخلة والسبوع، واخيراً الوفاة. وما زال معظم تلك الطقوس موجود حالياً لا سيما في الوجه القبلي. اما البلدان الساحلية فربما ان اختلاط اهلها مع شعوب من مختلف الجنسيات جعلهم يكتسبون عادات جديدة. ولكن التراث الشعبي المصري لا يزال يحتفظ ببعض من طقوسه، ومنها ليلية الحنا، وفيها تنقش الحناء على يدي وقدمي العروس، واحياناً العريس ايضاً مع إضاءة الشموع في منتصف صينية الحناء. أما ليلة السبوع فما زالت تقليداً معمولاً به، اذ تقام حفلة في اليوم السابع لولادة الطفل، وتوزع الحلوي على الاطفال وتصاحبها الاغنيات المعروفة ومن اشهرها "حلقاتك برجالاتك"، ويتم إحضار إبريق من الخزف الملون اذا ما كان المولد ذكراً، وقلة مزخرفة لو كانت المولودة انثى.