} اطلقت أنقرة حملاتها الديبلوماسية الهادفة الى لعب دور فاعل وأساسي في اعادة ترتيب وهيكلة الوضع السياسي وهيكلته في القوقاز وآسيا الوسطى. ويهدف ذلك الى التأكيد على استقلال جمهوريات تلك المنطقة عن روسيا تمهيداً لإبعادها عن مظلة الهيمنة الروسية، حسبما تم الاتفاق بين أنقرةوواشنطن نهاية العام الماضي. بدأ الرئيس التركي سليمان ديميريل امس الجمعة زيارة رسمية مهمة تستغرق يومين الى جورجيا، مصطحباً معه عدداً كبيراً من وزرائه والديبلوماسيين الاتراك. واكد مرتين، قبل مغادرته انقرة ولدى وصوله الى تبيليسي، على استقلالية جمهوريات القوقاز، مشيراً الى ان تركيا لن تسمح بانتشار موجة العنف والقلاقل الى القوقاز وآسيا الوسطى. وسيوقع ديميريل على اتفاق تدريب عسكري مشترك بين تركياوجورجيا وذلك من اجل طمأنة نظيره الجورجي ادوارد شيفاردنادزه الذي لم يخف قلق بلاده من الوجود العسكري الروسي الكثيف في الشيشان. ويشكل هذا الوجود الروسي خطراً على جورجيا وأذربيجان شريكتي تركيا في مشروع خط "باكوجيهان" الذي سينقل النفط والغاز من جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز الى العالم براً عبر تركيا، بدلاً من روسيا التي لا تزال تسيطر على منافذ الاقتصاد والسياسة هناك. وكان ديميريل اعد لزيارته مسبقاً، بدعوة الرئيس الاذربيجاني حيدر علييف الى انقرة حيث اجرى معه محادثات الاثنين الماضي، تناولت انعكاسات السياسات الروسية في الشيشان. وعبر علييف عن مخاوفه من ان تمتد موجة العنف الى اذربيجان او جورجيا، مذكراً بأن موسكو تعارض تنفيذ مشروع "باكوجيهان" كما تحاول عرقلة المصالحة بين الاذربيجانيين والأرمن والتي تسعى انقرة الى تحقيقها بدعم من واشنطن، كخطوة اولى لفتح باب التجارة والتعاون الاقتصادي بين تركيا والقوقاز. وعبر ديميريل عن تفاؤله بحل قريب لمسألة اقليم ناغورنو قره باخ بعد لقاء الرئيس الآذربيجاني بنظيره الأرمني كوتشاريان في دافوس في 27 الشهر الجاري. وقال انه مستعد لفتح الحدود التركية مع ارمينيا في حال توصل الطرفان الى حل سلمي للمسألة. كما تحدث عن استعداده لزيارة يريفان وتعزيز العلاقات معها. وتراقب موسكو هذه التطورات بامتعاض شديد، وتعتبر التحركات التركية في هذه المسألة تدخلاً غير مشروع في "حديقتها الخلفية" وهو ما اشار اليه علييف في انقرة، مذكراً بوجود قاعدتين عسكريتين روسيتين في جورجيا التي تذرعت بأحداث الشيشان لتثبت عجزها عن تأمين سلامة خطوط النفط التي ستمر في المنطقة. وعطلت جورجيا محادثات اللجان الفنية المكلفة بمباشرة المشروع بحجة وجود مشاكل قانونية على استملاك الأراضي التي ستمر فيها الانابيب، وطالبت تركيا بشكل غير مباشر بدفع مبالغ تأميم هذه الأراضي، فيما فسرت انقرة ذلك على انه طلب مساعدة اقتصادية نظراً الى تحمل جورجيا وحدها مصاريف اللاجئين الشيشان. واشارت مصادر ديبلوماسية تركية الى ان انقرة متحمسة للعب دور الأخ الاكبر وحماية هذه الجمهوريات التي تطلق عليها اسم "الجمهوريات التركية" وذلك اما عن طريق نشر قوات للتدخل السريع هناك او ربط هذه الجمهوريات باتفاقات عسكرية، وذلك بعد موافقة حلف شمال الاطلسي، مع مراعاة ردود الفعل الروسية على ذلك. والواقع ان اهتمام انقرة بتلك المنطقة سيزداد، حسبما قال وزير الخارجية التركي اسماعيل جم بداية الشهر الجاري، مشيراً الى أن القوقاز وآسيا الوسطى سيكونان على رأس اولويات السياسة الخارجية لتركيا في القرن المقبل. وتسعى تركيا الى تعزيز علاقاتها مع تلك الجمهوريات، آخذة في الاعتبار القوة البشرية التي تتمتع بها تزيد عن 200 مليون نسمة وغناها بالبترول والغاز والمواد الأولية كالحديد والذهب والفضة، ما دفع اميركا بثقلها نحو المنطقة، حيث توجد حالياً 5000 شركة اميركية واسرائيلية تتنافس على الاستثمار هناك، ولكن بعد رفع الوصاية الروسية عن المنطقة. وفي الوقت نفسه، يشع خيال القوميين الاتراك لحلم توحيد الابجدية في هذه الجمهوريات مع الابجدية التركية، للعمل على خلق قوة اقتصادية ثالثة الى جانب اميركا والاتحاد الاوروبي مستقبلاً.