في الرابع عشر من شهر شباط فبراير 1956 جرى في موسكو افتتاح المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي. والحقيقة ان احداً في ذلك اليوم لم يكن يتوقع ان يدخل ذلك المؤتمر التاريخ، بعد ذلك، من بابه العريض، بوصفه اول مؤتمر يدق أول اسفين في جسد الحكم السوفياتي. ولم يكن احد يتوقع تلك القنبلة التي فجرها خروتشوف وبدت يومها مثل كرة الثلج كلما راحت تتدحرج، راحت تزداد حجماً وقوة، ففاجأت العالم كله، آخذة كل الرفاق، في كافة انحاء العالم، على حين غرة. لماذا؟ بكل بساطة لأن خروتشوف ذلك الرجل الربع الطيب المبتسم، جرؤ على من لم يكن احد يحلم بأن يجرؤ عليه احد يوماً: خرق اكبر محظور في تاريخ الدولة والحزب السوفياتيين: التصدي لذكرى الزعيم الذي لم تكن عظامه قد تحللت بعد في ذلك الحين. ولسنا بحاجة لأن نقول، بالطبع، ان ذلك الزعيم لم يكن احداً غير ستالين، و"الد الشعب"، و"فقيد الطبقة العاملة"، و"منقذ البلاد والعالم"، الذي كانت السلطة السوفياتية قد انفقت على تبجيله اكثر مما انفقت على أية خطة خمسية من خططها الشهيرة. كان المؤتمر العشرون، اول مؤتمر ينعقد بعد رحيل ستالين، وكان من المعروف منذ ايامه الأولى ان التقرير الذي سوف يرفعه خروتشوف الى المؤتمر سيكون حدثاً مهماً، وان لم يكن احد ينتظر منه ان يكون حدثاً حاسماً وعنيفاً الى هذه الدرجة، اذ امام 1424 مندوباً يمثلون خمسة وخمسين جمهورية، وأمام ضيوف أتوا من شتى انحاء العالم، تحدث نيكيتا خروتشوف طوال سبع ساعات تقريباً. فماذا قال؟ قال بكل بساطة ان جردة الحساب للعهد الستاليني ليست ايجابية بأي حال من الاحوال، وقال ان التعايش الايجابي مع الغرب بات ضرورياً على عكس ما كان ينادي ستالين به من ان قيام حرب جديدة امر محتم، غير ان هذا لم يكن شيئاً امام الهجوم الذي شنه خروتشوف ضد "عبادة الشخصية".