في اواخر العام 1939 كان نيكيتا خروتشوف لا يزال شاباً بعض الشيء، حين وقف في وسط الساحة الحمراء في موسكو ليخطب امام جمهور من مئتي الف شخص تحلقوا للاحتفال بزعيم الشعب ستالين. يومها قال خروتشوف في خطبته التاريخية "ان ستالين يمثّل الامل. يمثل كل ما ننتظر. انه المنارة التي تقود تقدميي العالم كله. ستالين بيرقنا، ارادتنا. انه انتصارنا". يومها اوصل خروتشوف وتيرة امتداح ستالين الى مستوى حيّر الرفاق الباقين الذين ابدوا عجزهم عن اللحاق به، وعن العثور على ما يكفي من كلام يرضي سيد الكرملين. وهذه الحيرة ازدادت حدة في الحادي والعشرين من شهر كانون الاول ديسمبر 1939، حين شهدت موسكو، وبقية المدن السوفياتية، احتفالات صاخبة بذكرى ميلاد ستالين. في تلك المناسبة، ولأن الاوضاع السياسية كانت على شيء من الارتباك، تم التوافق على تضخيم الاحتفالات بالذكرى، وعلى ان يعبر الشعب، عن طريق ادبائه وفنانيه، عن اقصى اعجابه بالزعيم وعن تمنيه له العمر الطويل ودوام الصحة، وبشكل عام عن رأيه الايجابي فيه. وكان المطلوب تجاوز عبارات خروتشوف، خروتشوف نفسه الذي سيكون بعد سنوات من موت ستالين، اول مهاجميه وناسفي اسطورته وذلك في تقريره الشهير الذي قدمه الى المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي. غير ان هذا كان لا يزال بعيداً. في ذلك الحين كان الموضوع موضوع تأليه ستالين وخصّه باحتفالات لا سابق لها في التاريخ، ولن يجود الزمان بمثلها بعد ذلك. كان هذا في وقت اثار فيه الوضع العسكري للجيش السوفياتي على الجبهة الفنلندية بعض القلق، وفي وقت كانت فيه الحرب العالمية الاولى مندلعة تلهب اوروبا. ولكن لا شيء من هذا كله الهى الصحافة والحزب والرأي العام بالتالي، عن ضرورة الاحتفال بعيد ميلاد ستالين، وهكذا طوال شهور عديدة راح الكتّاب والشعراء والرسّامون يتبارون في الابداع، ولا سيما في رسم لوحات وكتابة قصائد ونصوص كلها امتداح لستالين ولفرادته في هذا الكون. وستالين، رد على ذلك الحماس بخطوات اعتبرت في حينها جبارة واستثنائية: اوقف، رسمياً، عمليات التطهير وبالتالي المحاكمات التي كانت تطاول اصحابه ورفاقه السابقين. وفي الوقت نفسه اعلن، رسمياً ايضاً، ان خطة التصنيع الراهنة قد آتت ثمارها في العديد من المجالات. وكان في امكانه ايضاً ان يعلن ان المجاعة التي كانت تضرب اطنابها انتهت. من الناحية الميدانية اعلن ايضاً ان الاتحاد السوفياتي وجيشه الاحمر قد استعاد جزءاً من بولندا. فالاتحاد السوفياتي كان في ذلك الحين حليفاً بشكل من الاشكال للرايخ وكان الرايخ يثير رعب الامبرياليين الرأسماليين ورجفتهم. وستالين، الى ذلك كله عرف كيف يغذي في تلك المناسبة اسطورته: كف بشكل عملي عن الظهور في الاجتماعات العامة، او بالاحرى صار حضوره نادراً، ولم يعد يتكلم الا في اجتماعات الحزب واجتماعات الحكومة: كان ادرك لعبة النجومية بشكل متكامل، النجم حسب التقاليد الخاصة بتلك اللعبة يجب ان يترك صورته تحلّ محله. فالصورة اكثر ثباتاً واقل تعرضاً للخطأ. الصورة سماوية اما الجسد فإنساني. لذا ستظهر الصورة ويختفي الجسد. وبدلاً من ان يتكلم النجم، يجب ان يكون هناك من يتكلم عنه. واعيان النظام، على غرار نيكيتا خروتشوف كانوا مستعدين للكلام ولتعزيز صورة ستالين السماوية امام المواطنين. فإذا اضفنا الى ذلك كله الابتكار الهائل الذي ابتكره ستالين في تلك الايام ونال عليه مزيداً من الشعبية نفهم كيف ولدت في ذلك الحين بالذات عبادة الشخصية: لقد أمر بتوقيف واعدام معظم مسؤولي اجهزة المخابرات وعلى رأسهم جيجوف، والتهمة: المجازر التي ارتكبوها في حق المواطنين. يومها نسي الناس بسرعة ان ستالين هو الذي امرهم بذلك، وقيل لهم ان المجازر ارتكبت من قبل موظفين فاسدين ومن دون علم "ابي الشعب" الطيب. وفي الوقت نفسه كان جهاز السكرتاريا الهائل التابع لستالين يرد على كل رسالة ترد من المواطنين ويعد بدراسة كل حالة تتضمن شكوى. كل هذا في وقت راحت فيه اجهزة الاعلام تعلن ان ستالين، منكب هذه الايام على كتابة تاريخ حقيقي للثورة لكيلا يزوّر الآخرون التاريخ. الصورة: تمثال لستالين من نتاجات تلك المرحلة.