} حركت جولة المفاوضات السورية - الاسرائيلة الأخيرة قضية مستقبل الدروز الذين يقطنون هضبة الجولان السورية. وأعلنت اسرائيل ان 300 من هؤلاء يريدون العيش في الدولة العبرية في حال انسحاب قواتها من الهضبة، في حين شارك عدد كبير من السكان في حملة للمطالبة بعودة الجولان الى سورية. وأكد محام ان مجموعة من اصحاب الحملة كلفته رفع دعاوى ضد الحكومة الاسرائيلية للحصول على تعويضات منها. القدسالمحتلة، القنيطرة سورية - أ ف ب، رويترز، د ب أ - بثت الاذاعة الاسرائيلية امس ان 300 من العائلات الدرزية في الجولان طلبت من السلطات الاسرائيلية تأمين نفقات انتقالها الى اسرائيل في حال اعادة الهضبة الى سورية. وهذه العائلات حصلت على الجنسية الاسرائيلية خلافاً للغالبية الكبرى ل17 ألفاً من مواطني الجولان الذين ظلوا يعيشون في المرتفعات بعد احتلالها. وأضافت الاذاعة ان هذه العائلات تخشى ان تصبح ضحايا عمليات انتقامية من جانب السلطات السورية في حال بقائها في الجولان بعد انسحاب اسرائيلي محتمل في اطار اتفاق للسلام مع دمشق. وطلبت هذه الأسر الدرزية من نائب وزير الدفاع افراييم سنيه مساعدتها مالياً لتنتقل الى الجليل والحصول على تعويضات عن الممتلكات التي ستتخلى عنها في الجولان. وأوضحت الاذاعة ان سنيه وعد هذه العائلات بإيجاد حل من دون اعطاء توضيحات اخرى. ولجأ عدد من الدروز من سكان قرى الهضبة السورية التي احتلتها الدولة اليهودية في حرب 1967 الى محام لمطالبة الحكومة الاسرائيلية بدفع تعويضات عما سيلحقهم من اضرار بفقد اعمالهم وأرضهم في حالة عودة الأرض الى سورية. وقال المحامي زايد فلاح: "اتعامل مع نوعين من الدعاوى. دعاوى رفعها دروز سينتهي بهم الأمر للعيش في سورية بعد الانسحاب الاسرائيلي ومن ثم سيفقدون سبل العيش التي اعتادوا عليها، ودعاوى اقامها دروز يريدون البقاء في اسرائيل لكنهم اذا فعلوا ذلك سيفقدون كل شيء". ويعيش في هضبة الجولان السورية 17 ألف مستوطن يهودي في 32 مستوطنة وسط عدد متساو من الدروز يعيشون في اربع قرى، فيما لجأ نحو 400 ألف آخرين الى دمشق ومناطق سورية اخرى. ومن جهة أخرى شارك عدد كبير من الدروز في الحملة المطالبة بعودة الجولان لسورية منذ ان استأنف رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك محادثات السلام مع دمشق في كانون الأول ديسمبر الماضي بعد فترة توقف استمرت أربعة اعوام. وأعلن المستوطنون اليهود في الجولان الشهر الماضي عزمهم على طلب تعويضات من الحكومة الاسرائيلية في حال انسحاب القوات الاسرائيلية من الهضبة الاستراتيجية في مقابل اقرار السلام. وصرح فلاح بأن قضية الدروز لا تقل في الأهمية عن قضية المستوطنين اليهود الذين استوطنوا الهضبة منذ 1981 بعدما بدأت اسرائيل تطبق عليها قوانينها. وقال: "دروز الجولان ولدوا فيها وليسوا مثل اليهود الذين انتقلوا اليها لأن الحكومة طلبت منهم ذلك". وتشتت عدد كبير من الأسر في الجولان حين رسمت خطوط الفصل بين القوات بعد حرب العام 1967. ويضيف فلاح ان هذه الأسر نفسها قد تتعرض مرة اخرى لتشتت مع تقلبات سياسية محتملة. وقال: "المجتمع والأسر انقسمت على نفسها بسبب محنة البقاء في المكان الذي ولد فيه اجدادهم ام الرحيل. فجأة أصبح عليهم ان يقرروا البقاء في المكان نفسه او الرجيل الى مكان آخر". ومعظم موكلي فلاح مواطنون اسرائيليون وان كان من بينهم قلة من سكان الهضبة الدائمين. ويقول فلاح "كل الدروز الذين حصلوا على الجنسية الاسرائيلية عزلوا عن باقي المجتمع. لا يحضرون اي مناسبات احتفالية كما لا يشاركون في الجنازات. انه مجتمع داخل مجتمع". ويضيف: "بالنسبة الى الذين حصلوا على الجنسية وهم قلة، القرار اسهل. فهم يريدون البقاء في بلادهم اسرائيل. اما من يريد العودة لسورية فلا اعرف هل ذلك بدافع الولاء لسورية ام الرغبة في البقاء في أرضهم". الى ذلك، بثت "وكالة الأنباء الألمانية" د ب أ تقريراً ميدانياً من القنيطرة السورية عن التواصل بين العائلات الدرزية المنقسمة على جانبي الهضبة، السوري وذلك الذي تحتله اسرائيل. وذكر التقرير ان سمر، احدى السكان في الجانب السوري، تتواصل مع اهلها عبر مكبر للصوت تتحدث من خلاله، فيتردد صدى كلماتها في الحقول البعيدة. وبعد وقت قصير يأتيها الرد من مكبر صوت آخر على بعد نحو كيلومتر. وتقف سمر 26 عاماً وزوجها أكرم وطفلتهما التي لا يتجاوز عمرها 18 شهراً، عند الجانب السوري من مرتفعات الجولان، فيما تلوح لهم عائلة سمر عند الجانب الآخر من الجولان ومن قرية مجدل شمس التي تحتلها اسرائيل. والطريقة الأخرى التي يمكن للعائلة ان تتحادث مع بعضها البعض هي عبر الهاتف، الا ان هذا الاتصال ممكن من ناحية واحدة، ولا يمكن اجراؤه من سورية. وفيما "يلتقي" افراد العائلة، يقوم جنود اسرائيليون بدورية في الحقول التي تفصل بينهما. وليس سمر وأكرم الا اثنان من الحشود التي تتخاطب عن طريق "مكبرات الصوت" في الوادي الذي أطلق عليه أيضاً اسم "وادي مكبرات الصوت". وكانت سمر سابقاً تعيش في وادي الندى في الجزء الخاضع للسيطرة الاسرائيلية من مرتفعات الجولان. وهناك اضطرت للقيام بالاستعدادات لزواجها من المخرج اكرم الحلبي الذي يعيش في الجانب الآخر من الجولان. وتعود سمر بذاكرتها الى ذلك الوقت وتقول "من الصعب الترتيب للزفاف في غياب العريس". ثم جاءت لحظة وداع الأهل، وتتذكر سمر قائلة "رفضت ان يتم منحي جواز سفر اسرائيلي. وبعد الزفاف الذي عقد في دمشق لم يسمح لي بالعودة لزيارة قريتي، وعائلتي لم تر طفلتي بعد". ويقول محمد علي مدير المعلومات في محافظة القنيطرة الحدودية عند الجانب الاسرائيلي من الجولان "لقد فعل الاسرائيليون شيئين بعد الاحتلال: دمروا 244 قرية وطردوا 153 الف شخص، ويعيش نحو 23 الف سوري حالياً في خمس مواقع تحت السيطرة الاسرائيلية". وقرية القنيطرة الواقعة في المحافظة التي تحمل الاسم نفسه، كانت في الماضي تضم 52 الف شخص. لكن في العام 1974 عند انسحاب القوات الاسرائيلية من البلدة التي دُمّرت، كان عدد سكانها انخفض الى ستة اشخاص فقط يمتلكون تراخيص إقامة خاصة. ويقول علي انه لا يمكن للسكان السابقين العودة الى البلدة. فاسرائيل لا تزال تحتل الحقول المجاورة والصالحة للزراعة، وليس لهم عمل يقتاتون منه. ومن الناحية الاخرى على الجانب السوري من "وادي مكبرات الصوت" يحمل الطالب كريم 18 عاماً منظاراً ويركز نظره على والديه واخوته وأخواته الخمسة. ويقول كريم ان اكثر من 400 طالب من القرى الخمس التي تحتلتها اسرائيل يدرسون في سورية. ويوضح انه من الممكن الدراسة في اسرائيل الا ان نفقات ذلك مرتفعة جداً. ويضيف "اريد ان أعود بعد خمس سنوات حتى ولو لم يعترف الاسرائيليون بمؤهلاتي". إلا أن كريم على عكس سمر، يمكنه العودة الى قريته اثناء العُطل الدراسية لكن الاجراءات البيروقراطية الصعبة تسبب له الاحباط، فقوات الأمن الاسرائيلية ستطرح عليه كل أنواع الأسئلة. في تلك الاثناء، يلعن أكرم 38 عاماً الريح التي بدأت في تبديد كلماته عبر مكبر الصوت في جميع الاتجاهات. ويتمنى أكرم تحقيق "السلام وعودة كل القرى كمناطق حرة الى سورية". ويضيف "انهارت الامبراطورية الرومانية وتغلبنا على 400 عام من الاحتلال التركي. عاجلاً ام آجلاً سنستعيد الجولان. نحن مالكوه، انه لنا".