"وصلت منهار القوى الى السواحل الايطالية وسارعت الى طلب النجدة لرفاقي الغارقين في البحر، لكن عندما وصل المنقذون كان جعفر 42 عاماً قد أسلم الروح بعدما هزمته الأمواج"... الكلام لللاجئ العراقي علي صويريج الذي كان يحكي مغامرة عبور البحر الأدرياتيكي من الضفة الألبانية الى الضفة الايطالية اعتماداً على شبكات تهريب تركية واسعة باتت تساعد المهاجرين غير الشرعيين من كل الجنسيات على اقتحام أسوار القلعة الأوروبية المنيعة. فبعدما أغلق مفتاح "شنغن" السحري أبواب أوروبا في وجه طالبي اللجوء، بدأت تنشط شبكات تهريب كثيرة في البانيا لنقل المهاجرين على متن قوارب مطاطية وبواخر تركية الى مدينتي بوليا وبرينديزي الايطاليتين الجنوبيتين لقاء أسعار تراوح بين ألف وستة آلاف دولار. وبالنسبة الى العراقيين والمغاربيين والأتراك والأفارقة الحالمين بالهجرة الى أوروبا تشكل ألبانيا معبراً اجبارياً على رغم الذئاب التي تلعب بمصيرهم وتستهين بحياتهم بعدما اقفلت معابر الهجرة غير المشروعة من سواحل شمال افريقيا. ولم يخف ضابط الشرطة الايطالي جيوزيبي ليني قلق حكومته من تزايد موجات المهاجرين المتدفقة من البانيا في شكل مذهل. وقدر أعداد الواصلين في العام الماضي ب15 ألف مهاجر فيما ارتفع العدد الى 28 ألف في الشهور العشرة الأولى من العام الجاري. وعلى رغم ان وزير الداخلية الايطالي زار تيرانا أخيراً لتطوير التنسيق في مكافحة الهجرة غير المشروعة، إلا أن الجانبين عجزا عن احتوائها والسيطرة عليها بسبب وجود عصابات من الألبان والأتراك والطليان تتعاون للاستفادة من تجارة البشر. "أنا مولود في بغداد العام 1968 وعندما وصلت الى البانيا نقلوني مع مهاجرين آخرين على متن شاحنة ثم مشينا على الأقدام لمدة يومين قبل أن نصعد على ظهر مركب صيد متجهين الى ايطاليا". لكن علي صويريج أكد ان الطاقم المؤلف من أربعة البانيين مسلحين بمسدسات وسكاكين سلبهم ما تبقى لهم من أموال وألقاهم بعيداً عن الساحل ليجابهوا مصيرهم بلا سند. بين السواحل الالبانية ومرفأ بوليا الايطالي 75 كيلومتراً فقط وينظر المهاجرون الى الساحل الايطالي من الأراضي الالبانية مثلما ينظر الموعودون بالجنة الى الفردوس الآتي. ويروي المغربي العياشي دحو أنه غادر مراكش التي ولد فيها العام 1971 الى الدار البيضاء ليمتطي الطائرة على حسابه الى اسطنبول حيث كان ينتظره أحد أفراد مافيا التهريب التركية ويدعى جمال. وقال ان الأخير طلب منه الاقامة في فندق "أركان" الذي تستخدمه المافيا ريثما يتم ترتيب سفره الى ايطاليا، لكنه انتظر شهرين على حسابه حتى عاد جمال فأخذ منه جوازه وبطاقة هويته وأركبه شاحنة مخصصة لنقل الدجاج أقلّته الى مرفأ تركي لا يعرفه. ومن هناك انتقل الى ايطاليا لكنه لم يستعد جوازه ولا بطاقة الهوية. اما الباكستاني أكرم سرمار 30 عاماً فوصل الى ايطاليا من طريق أخرى إذ غادر منطقته "ديلام بلاغو" الى مدينة في جورجيا على متن باص ثم سافر مع مجموعة من المهاجرين غير الشرعيين الى تركيا براً في رحلة أنهكت قواهم واستغرقت اسبوعين "كنا موزعين على مجموعات عرقية ولم يكن أكلنا يتجاوز قطعة من الخبز مع البصل". دفع أكرم وزملاؤه خمسة آلاف دولار للمهربين أي بزيادة ألفي دولار عن السعر الذي كان متفقاً عليه. عصابات المالافيتا انتقل كامل الحلّي من بغداد الى الحدود التركية مع زوجته في سيارة أحد المعارف بعدما دفعا 6000 دولار. وعبرا الحدود على متن حصان على ملك شبكة للتهريب ثم استقلا "باصاً رهيباً" الى اسطنبول، لكن بعدما حملهم أفراد الشبكة على قضاء شهر متخفين في قرية صغيرة. ومن اسطنبول نقلا الى ميناء كاناكلي حيث ركبا البحر الى ايطاليا. إلا أن غالبية عمليات الهجرة غير الشرعية تمر عبر شبكات المافيا الألبانية المعروفة باسم "مالافيتا" والتي تملك قوارب مطاطية لتمرير المهاجرين. ولم يسلم من بطشها حتى الألبانيون أنفسهم. ويروي اسماعيل جالي المقيم في روما منذ شهرين انه خطط للسفر الى بريطانيا حيث وعده أحد معارفه بأن يجد له شغلا فاضطر الى دفع 2000 دولار لشخص من أبناء بلده يدعى ماريناج زاف فنقله الى مكان بعيد كان يتجمع فيه نحو أربعين من طالبي الهجرة. وانتظر الجميع يومين قبل نقلهم في يوم عاصف الى السواحل الايطالية على متن مركب صغير كاد يغرق في الطريق. وتابع اسماعيل "قبل أن نصل الى اليابسة سلبوني 1500 دولار كنت احتفظ بها للسفر الى بريطانيا وها أنا أجول يومياً على تجمعات الالبان في روما سائلاً عن شغل موقت لأوفر سعر تذكرة القطار الى لندن". وعلى رغم الاتفاقات الأمنية بين روما وتيرانا وتعزيز الحراسات على السواحل الايطالية يبدو أن البحر الادرياتيكي سيبقى أهم ثغرة في خاصرة ايطاليا بعدما حققت تقدماً في سد منافذ الهجرة غير المشروعة من شمال افريقيا.