بديهي ان يدافع الرئيس سليم الحص عن الحكومة اللبنانية في مواجهة "السهام" التي تصوّب اليها من كل اتجاه، كلما واجهت عثرة، وتسجل له أيضاً شجاعته في الاعتراف بتفشي الطائفية والمذهبية في لبنان. لكن الحص الذي يوزع مسؤولية حماية السلم الأهلي على الدولة وكل الأطراف السياسية بالتكافل، لا يقدم جواباً عن سؤالين: بعد حل الميليشيات وجمع أسلحتها لحفظ القوة لدى الدولة وحدها، كيف أمكن السماح ب"تفريخ" عشرات الجماعات التي بات أكيداً انها كانت تخزن سلاحاً ليس بهدف استخدامه في معركة تحرير الجنوب، بل لخدمة حسابات ضيقة أو أطراف غير لبنانية؟ وهل كانت الدولة المنهمكة بمواجهة احتواء المعارضات، والتحضير لمرحلة المفاوضات مع اسرائيل، غائبة أم مغيبة عن ترعرع تلك الأصولية الاسلامية "الطارئة" الموزعة على "أبوات" من نوع جديد، يستحضر "الأفغنة" الى البلد ويبيح قتل راهبة وتفجير كنيسة، ثم تحدي الجيش في مناطق كان الوجود السوري فيها كثيفاً على مدى سنوات طويلة؟ يذكر اللبنانيون ان هناك من روّج لشتاء قاسٍ في البلد، ومن حذر من نعرات جديدة تستهدف زعزعة الاستقرار. وبعد "هزة" جرود الضنية شمالا يتجدد الحديث عن ساعة الصفر لدخول الجيش اللبناني المخيمات الفلسطينية، مع ما يثيره ذلك من مخاوف وهواجس فاتورة انهاء "الجزر" الأمنية التي تحولت حصوناً، وبعضها مأوى للمطاردين والمطلوبين بجرائم، فإذا بهم يحتمون بسلاح الغير وينتحلون قضايا أبعد ما تكون عن هموم اللبناني ومصالحه... وبعد التحذيرات، بل الاجماع على التحذير والتخويف من "أفخاخ الطائفية والمذهبية"، عود الى بدء: حرب اشاعات، كأن الآتي أعظم، ودائماً لاضعاف السوري واللبناني في المفاوضات مع اسرائيل. ولكن، بافتراض ان طرح ذلك الهدف من وراء معاودة احياء الطائفية واللعب بنار العصبيات والنعرات، يكتسب عقلانية، فالأجدر التساؤل مجدداً عن أسباب فشل اللبنانيين والدولة في نزع تلك الأوتار التي صورت واهنة بعد حل الميليشيات، ثم تبين "فجأة" انها ما زالت اكثر فعلاً في الوطن والمجتمع من معادلة السلم التي أرسيت تحت سقف اتفاق الطائف. أليس الدليل تناسل "المؤامرات" مجدداً، وكلها يتخذ من نار العصبيات سلاحاً في مواجهة الجميع؟ وقبل أن يتضح الهدف الجديد للاشاعات التي تحضّر لمرحلة أخرى، ربما جهلت معالمها عيون الدولة، يجدر التوقف عندما يجمع "المنبوذين" و"المغيبين"، والمثال صبحي الطفيلي و"القوات اللبنانية". الأول كانت رسالته في بعلبك تحريم المفاوضات مع اسرائيل، والتحريض على اسقاط السلام، من منطقة على خاصرة الحدود السورية. فجأة الطفيلي المختفي يتلبس لساناً ايرانياً، بل يزايد على مرشد الثورة في ايران. أما "القوات" التي أباحت لنفسها تحريض الرأي العام الدولي على "تجدر الحركات الأصولية في لبنان"، واستعارت "نموذج" الحملات العسكرية في مصر والجزائر، فتناست عمداً انها كانت نموذجاً ل"أصولية مسيحية" أريدت لها الغلبة فانتهت مغيبة بالقوة وبضوابط معادلة اقليمية. مرة أخرى يتأكد ان معادلة السلم الهشة معرضة لاهتزازات مريرة اذا بقي سلاح خارج قبضة الدولة، وأن تعميم الاستثناءات بالقوة أقصر الطرق الى نسف كل التوازنات. يبقى أن يثبت الفلسطينيون عقلانية لتجنيب لبنان حرب مخيمات جديدة، لا تخدم البلد ولا قضيتهم في مقاومة التوطين.