كان لشهر رمضان في دمشق طعم آخر هذا العام غير طعم الصيام. انه طعم الاجتماع وصلة الرحم إذ سادت المجتمع الدمشقي خلال هذا الشهر روابط اجتماعية متفردة ومترعة بالتواصل والاحترام اصبحت بفعل تكرارها نهجاً ومساراً لا يحيد عنهما احد. ومع اعلان مولد الهلال الرمضاني المبارك تجمع افراد العائلة في بيت كبير العائلة الجد او الاب، ويقول السيد محمد 55 سنة "افطار اليوم الاول من رمضان كان عند عميد العائلة ومن دون دعوة وبعدها كان افطار اليوم التالي عند الابن الاكبر سناً يتلوه الاصغر وما ان ينتهي تسلسل العائلة حتى يأتي الدور الى الاقرباء الابعد ثم الاصدقاء حتى انتهى الشهر المبارك". ويقول ابو حسن 70 سنة "قديماً كنا نقوم بالرمضانية وهي واجب وتقليد كان والدي يقول لنا بعد صلاة التراويح اليوم سنرمضن عمتكم ويحمل فانوسه ويسعى في عتمة الليل قبل ان تنتشر المصابيح الكهربائية وفي اليوم التالي يختار قريباً آخر كبيراً في السن فهذه هي صلة الرحم" وهذه العادة لا تزال موجودة غير ان اسمها وطريقة القيام بها اختلفت مثلما اختلف مسحراتي زمان عن مسحراتي اليوم. والمسحراتي القديم الدائر في عتمة الليل كان موجوداً خلال الشهر المبارك ودار في احياء دمشق القديمة مرتديا شرواله يلقي الاشعار بصوت جميل وجاذبية لا توصف. تقول السيدة نهى "كنا ونحن اطفال ننتظر قدومه فاذا سمعنا قرع طبلته من بعيد هرعنا الى النوافذ نستمع الى عباراته المسجعة المنغمة يا نايم وحد الدايم فنفتح باب الدار ونلحق به ونقدم له اقراص الكبة المشوية ونرافقه حتى نهاية الحارة". غير ان الكثير من الناس لم يعودوا ينتظرون سماع صوته وازجاله الغنائية الدينية دلك انهم يعيشون في احياء ذات مباني مرتفعة وقد لا يصل صوته الى معظم البيوت بل يتذكرونه في اخر ايام رمضان عندما يدق الباب مطالباً بالعيدية. تقول ام حسان "كنت اعتقد ان المسحراتي مهنة انقرضت منذ عقود وخصوصاً في الاحياء السكنية الحديثة ولم اره سوى في المسلسلات التلفزيونية التي تحكي عن ايام زمان ولكنني فوجئت ذات يوم برجل يلبس الشروال والصدرية ويحمل طبلة يدق باب منزلي ويقول كل عام وانتم بخير انا المسحراتي". ومن عادات رمضان الاخرى والتي لا تزال النسوة الدمشقيات يقمن بها مع حلول الشهر الكريم القيام بزيارة العائلات المنكوبة بفقدان احد افرادها سواء اكان من الاقارب ام من الجيران وذلك من باب التعزية والمؤانسة وهناك الكثير منهن يذهبن الى زيارة القبور في عصر اليوم الاول من رمضان متأبطات حقيبة ملأى بالمأكولات من الحلوى والتين والحلاوة والزبيب لتوزيعها على الفقراء. وهذا العام تغيرت العادات والتقاليد وبهتت بعض الطقوس باستثناء "مائدة رمضان" وتختلف المائدة الشامية ايام الشهر المبارك عما هي عليه في الايام العادية، فالمائدة تمتلئ بما لذ وطاب من الاطعمة والمشروبات وبالطبع لم تختفِ بعد "السكبة" وهي ظاهرة عند الدمشقيين تدل على الكرم والمودة بين الجيران فلا يكاد يمر يوم من ايام رمضان الا يشاهد المرء الجارات يتبادلن اطباق الاطعمة. ولا يصح الفطور من غير طبق الفول والتسقية الحمص بالزيت مع انواع الشوربة وطبق الفتوش بالاضافة الى "منقوع قمر الدين" و"التمر هندي" و"عرق السوس" وهذه الاطباق هي اساسيات المائدة الرمضانية اضافة الى عدد من الاكلات الرمضانية التقليدية التي تظهر مع هلاله وتختفي مع حلول العيد كأنها لم تكن موجودة اصلاً مثل الناعم وهو نوع من الخبز يقلى ويدهن فوقه الدبس وقمر الدين وهو رقائق مصنوعة من المشمش بعد تجفيفه. وعلى عكس وجبة الافطار التي يفضلها الدمشقيون في المنزل مع الاهل خرجت معظم العائلات في الليل الى المطاعم التي تتفنن في تقديم المأكولات التقليدية اضافة الى العاب التسلية مثل طاولة الزهر والبرجيس وهي عبارة عن قماشة مخططة لها اربعة مداخل وودع ولها احجار تلعب من خلالها وهناك ايضاً برامج التسلية والمسابقات ووضع شاشات تلفزيونية كبيرة لنقل برامج الفضائيات. وكان هذا العام شهد انتشاراً كبيراً ل"خيام رمضان" مقارنة بالاعوام الماضية فكل فندق كبير اقام خيمة رمضانية لاستقبال زبائن السحور فتعددت الاختيارات بشكل لافت في حين كانت تقتصر في السنوات الماضية على عدد قليل جداً من المطاعم. وتحاول كل خيمة اجتذاب عدد اكبر من الزبائن ويعتمد النجاح على معادلة بسيطة، يقول احد الرواد اي "شيء مع نرجيلة" ذلك ان النرجيلة وخلال السنوات الثلاث الماضية انتشرت بين الشباب اناثاً وذكوراً وكثرت المحال التي تقدمها ويقول صاحب احد المطاعم "لم استطع استقبال الزوار على السحور لأن مساحة المطعم وسقفه لا يسمحان بتقديم النرجيلة وقد عرفت مسبقا انه لن يلاقي رواجاً دون وجودها لذلك ألغيت السحور".