ال "لا" التي أطلقها الجنرال شارل ديغول في وجه النازية، عبر إذاعة لندن، في 18 حزيران يونيو 1940، عندما كان مجرّد ضابط مجهول، تحوّلت عرضاً مسرحياً عملاقاً باشراف المخرج الفرنسي الشهير روبير حسين. وسبقت العرض الذي سيبدأ في الأوّل من تشرين الأول اكتوبر ويستمّر حتى الثاني من شباط فبراير المقبل حملة إعلانية لم يسبق لها مثيل بدأت في الربيع الماضي حيث انتشرت في شوارع العاصمة الفرنسية، وتمثّلت بملصقات عملاقة تحمل صورة للجنرال ببدلته العسكرية وكتب عليها عبارة "ديغول - الذي قال لا". وتعمّد حسين الذي يقول أنه لم يكن ديغولياً في يومٍ من الأيام، جعل هذه ال"لا" رمزاً لرفض الهزيمة والجبن والذل، مع بدايات القرن المقبل. واضطّر حسين الذي سبق أن أخرج عروضا عن شخصيات تاريخية فرنسية مثل دانتون وروبسبير من حقبة الثورة الفرنسية، وأيضاً الملك لويس السادس عشر، للإستعانة بإثنين من أعضاء الأكاديمية الفرنسية هما آلان بيرفيت وآلان ديكو. يشارك في العرض، الذي أسند فيه دور ديغول الى الممثل جاك بوديه نحو مئتي ممثل يقدّمون على مدى ساعتين 50 لوحة يفترض أن تجسّد شخصية الجنرال والمحطات الأساسية في حياته، على مسرح "قصر المؤتمرات" في باريس. ويأتي هذا العرض الذي يوصف بأنه "حدث العام ألفين" واستغرق إعداده ثلاث سنوات وبلغت كلفته 40 مليون فرنك فرنسي بعدما كانت أسرة ديغول اعترضت في السابق على أي عمل تمثيلي حول شخصيته. ويندرج هذاالعمل المسرحي في إطار سلسلة النشاطات التي ترعاها بلدية باريس التي يترأسها جان تيبيري احتفالاً بنهاية القرن. ومن سخرية المصادفات ان تيبيري، وهو من أعضاء حزب "التجمّع من أجل الجمهورية" الديغولي، وزوجته كزافيير عرضة منذ مدة لحملة اتهامات متعدّدة، ليس أقّلها تبديد أموال عامة بطريقة غيرمشروعة، وسوء إدارة ومحسوبية. ومن سخرية المصادفات أيضاً، أن هذا العرض المسرحي يأتي في وقت يعيش الديغوليون أسوأ حالاتهم. فحزب "التجمّع من أجل الجمهورية" يعيش تدهوراً شعبياً لم يسبق له مثيل، وتشهد صفوفه وقيادته تناحراً داخلياً، يحول دون اتفاقها على اختيار رئيس جديد للحزب، منذ استقالة الرئيس السابق فيليب سيغان من هذا المنصب، عشية الإنتخابات الاوروبية في الربيع الماضي. وتترافق هذه الحالة من التفكّك مع إنتقادات علنية بدأت توجّه الى الرئيس جاك شيراك، الديغولي الأوّل، وتحمّله مسؤولية ما حلّ بحزبه. ومن أبرز هذه الإنتقادات، تصريح وزير الداخلية السابق شارل باسكوا، القطب الديغولي المنشّق عن حزب التجمّع، الذي قال أن شيراك مرتاح الى كونه رئيساً للجمهورية يتعايش مع حكومة اشتراكية، وأنه غير مكترث بالتناحر القائم حول رئاسة حزبه. وفيما يركّز روبير حسين في عرضه على الوحدة والإلتفاف الذي نجح ديغول في تحقيقهما من حوله، فارضاً في أحيان عديدة ارادته على حلفائه الأميركيين والبريطانيين، ليس من الصعب الاستنتاج ان استمرار الديغولية يتوقف اليوم على توفّر شخصية قيادية بمثل مواصفات الجنرال.