ابداع حسن سامي اليوسف الدرامي تعدد وتنوع في السينما والتلفزيون، حيث قدم سيناريوهات لبعض من اشهر افلام "المؤسسة العامة للسينما" في سورية مثل "الاتجاه المعاكس"، "قتل عن طريق التسلسل"، "يوم في حياة طفل"، "اللعبة" و"إيناس"، اضافة لواحد من افضل افلام القطاع الخاص "غابة الذئاب"، فيما كتب للتلفزيون "شجرة النارنج"، "الشقيقات"، "ثلوج الصيف" و"امرأتان ورجل". وهو رغم حبه للكتابة الدرامية، بشقيها السينمائي والتلفزيوني، يبقى مشدوداً لعشقه الاهم، الرواية، حيث صدرت له خمس روايات هي على التوالي "الفلسطيني"، "الزورق"، "رسالة الى فاطمة"، "بوابة الجنة" و"فتاة القمر". حسن سامي درس فن السيناريو دراسة اكاديمية، واستفاد من موهبته الروائية، ومن وجهات نظره في ما يرى ويشاهد على ساحة الدراما السورية من تجارب وتيارات ظل خلالها منحازاً الى الدراما الواقعية التي لا تغفل عن وقائع الحياة وهمومها. حول تجربته الخاصة في السينما والتلفزيون وحول الدراما السورية عموماً حاورناه. بين السينما والتلفزيون مسافة طويلة. اين تجد نفسك؟ وما الفرق بين العالمين بالنسبة اليك؟ - اذا اتيح لي الاختيار فمن دون شك اختار السينما. انها اقرب الى نفسي لأسباب كثيرة اهمها ان التلفزيون محدود ان على صعيد الشكل او المضمون. فأنت في التلفزيون مقيّد بجملة قوانين رقابية صارمة للغاية، وهكذا انت تدخل الى المسلسل فاقداً الكثير من اسلحتك. في السينما هامش الحرية اوسع بكثير. الكاتب التلفزيوني العربي تحديداً كمن يمشي في حقل الغام. وليت الامر ينتهي عند رقابة رسمية واحدة!؟ انت خاضع لعدد من الرقباء يساوي عدد المحطات التي يسعى المنتج لتسويق مسلسله فيها، وما يعجب الرقيب السوري او اللبناني، ليس بالضرورة ما يعجب الرقيب الاماراتي او التونسي مثلاً. وهكذا تصير كاتب تفصيل، بينما الكتابة بالاساس فعل حرية. انت في التلفزيون العربي يجب ان تنسى كلمة حرية. ليس لها سوق عملت في السينما بقطاعيها العام والخاص، وكنت من اوائل الذين درسوا فن السيناريو اكاديمياً. اين ترى ازمة السينما السورية ولماذا، في رأيك، عدم قدرتها على دخول الاسواق العربية؟ - السينما السورية ليس لها سوق حتى داخل سورية، والأدلة كثيرة: افلامنا المنتجة خلال السنوات الست الماضية لم تلق رواجاً من اي نوع في صالات دمشق وبقية المحافظات. هي افلام حازت سمعة طيبة في المهرجانات لكنها فشلت فشلاً ذريعاً في عروضها التجارية داخل سورية ومن ابرزها "الليل"، "صهيل الجهات"، "اللجاة"، "صعود المطر"، "الترحال" و"نسيم الروح". هذه الافلام جميعاً اخفقت في جذب المشاهد العادي الى الصالات حتى ان غالبية العروض كانت الصالة فيها فارغة. والسؤال هو: هل هي افلام رديئة؟ اعتقد ان معظمها جيد. اذاً اين المشكلة؟ من الحديث عن غياب المتفرج يمكن ان نبدأ الحديث الجدي عن ازمة السينما السورية. نحن في سورية ليس لدينا صالات صالحة للعرض، حتى صالة "الكندي" من ممتلكات المؤسسة العامة للسينما رديئة للغاية. والسينما التي لا تسعى الى حل ازمتها الداخلية غير قادرة بالضرورة على تسويق نفسها في الخارج حيث الامور ليست بيدها اصلاً. في عملك التلفزيوني الاكثر شهرة "شجرة النارنج" تناولت تعقيدات العلاقات العائلية التي يفعل فيها الارث سلبياً. كيف ترى المعالجة الدرامية العربية لمثل هذه الموضوعات في ظل صعود العلاقات المادية؟ - موضوع الارث ليس الأساس في "شجرة النارنج". هذا المسلسل حاول سرد قصة طاغية… قصة صنم. كيف يتشكل الصنم ثم كيف يتحطم، وجاءت موضوعة الارث لتخدم الصراع ولتساعد في بناء هذا الصنم ثم في تحطمه. الارث في العائلات الكبيرة او الصغيرة موضوعة طيبة لكشف النقاب عن حقائق الحياة المعاصرة… الجشع، الطمع، الغيرة، الانانية، الاستهلاك، السعي الى تكديس النقود بكل الوسائل المتاحة، ثم الارتباط بالمكان او عدمه نتيجة الظروف الاقتصادية السائدة. هذه كلها تفرض نفسها على مفردات حياتنا اليومية بما فيها من حب وزواج وطلاق ورحيل ونجاح واخفاق، أكان في المهنة او على الصعيد الشخصي. هذه هي دائرة الموضوعات التي احتواها مسلسل "شجرة النارنج". والارث يرتبط بالمال، والمال محله ممتاز لمعرفة معادن البشر ووسيلة ممتازة للغوص في عوالمهم الداخلية. هذا كان دائماً، اما في زماننا الراهن فقد صار كسب المال مبدأ اعلى لغالبية البشر. ومن هنا اخترت موضوعة الارث كعنصر اساسي في ادارة اللعبة الدرامية. في "الشقيقات" رأيناك تتوغل اكثر في تشعبات الحياة المعاصرة وخصوصاً ضغط العوامل المادية الى درجة جعلتك تنهي العمل كله بفشل علاقة الحب الأبرز. هل اردت ل"الشقيقات" ان يكون ناقوس خطر للوقائع الاجتماعية الجديدة؟ - من الممكن طبعاً ان تدق ناقوس الخطر، ولكن لا بد ان آخرين كثيرين دقوه معك او حتى قبلك. المشكلة ان حياتنا المعاصرة تتعقد بوتيرة عالية اخشى ألا تنفع معها نواقيس الارض كلها. "الشقيقات" يعرض حياة الجيل الشاب عند نهاية قرننا العشرين، وهذا الجيل وبسبب من الظروف الصعبة بات لا يعرف حقاً ماذا يريد او الى اين يصل. ومن هنا نسمع كل يوم تقريباً عن اخفاق تجارب حياتية شابة مختلفة، وبخاصة منها ما هو على علاقة بالحب والزواج، فالطلاق بعد شهور قليلة من "العرس" صار موضة والخاسر برأيي هو الطرفان معاً. انهما لا يتفاهمان، ولكن لماذا؟ اظن ان الظروف المحيطة هي التي تضغط على كل منهما في اتجاه خلق سوء الفهم الحاصل وتكريسه، واقصد الظروف الاقتصادية. ان شبابنا وبناتنا في وضع ليس جيداً، و"الشقيقات" حاول ان يدخل الى عوالمهم وعوالمهن بهدف اضاءة بقعة ما مظلمة في تجاربنا الحياتية المشتركة. لست اريد من هذا طبعاً ان اصل الى موعظة او نصيحة ما، اقدمها للآخرين، ولكني اردت ان اكشف ستاراً من ستائر الظلمة التي تحجب عنا رؤية جوهر الاشياء وارجو ان اكون قد نجحت. الدراما السورية اليوم محط حوارات كثيرة بين مؤيد ومعارض، لأنها اساساً اتجاهات متنوعة ما يفرض سؤالاً عن "الفانتازيا التاريخية". اين انت منها؟ وهل ترى لها مستقبلاً في الدراما العربية عموماً؟ - في رأيي ان اي مسلسل تلفزيوني معاصر مهما كان هشاً، هو افضل من هذه "الفانتازيا التاريخية" التي لا اعرف من اين استوردها اصحابها. يقول بعضهم انها لا تضر ولا تنفع، وفي الحقيقة انها ضارة جداً. وقبل ان اتابع احب ان اعترف بأني كنت احد المتحمسين لمسلسل "الجوارح" الذي ينتمي الى هذه الفصيلة الضبابية، وقد كان لي في ذلك سبب اعتبرته وجيهاً حينئذ: محاولة تغيير المشهد البصري في الدراما التلفزيونية ليس السورية فحسب بل العربية عموماً. ولكن المشكلة ان هذا المسلسل صار هدفاً لمجموعة من الكتاب والمخرجين فأصبح تقليده حلماً، ولهذا شاهدنا في السنوات القليلة الماضية عدداً من هذه "الفانتازيات" التي اعتقد بأنها باتت ضارة بحركة الدراما العربية عموماً والسورية خاصة. فهذه الفانتازيا التي لا علاقة لها بالتاريخ تكذب على المشاهد جملة وتفصيلاً. تكذب اولاً في التاريخ نفسه، وتكذب ثانياً في انها تعمل على صرف المشاهد عن همومه اليومية، وتكذب ثالثاً في انها تخلق عالماً من القوة الوهمية لتعوض عن حالة الضعف التي يعيشها المتفرج العربي. والاهم من هذا كله انها تسعى الى كسر منطق الاشياء. فالدراما يمكنها ببساطة ان تخالف الحياة ولكن من غير المسموح لها ان تخالف معرفتنا بالحياة. تستطيع ان تقول لي نحن الآن على القمر وهذا حقك كمبدع، ولكنني سأقول لك: قف انت تكذب ان انت خالفت قانون الجاذبية مثلاً، فأنا وانت نعلم ان الجاذبية على القمر تختلف عن تلك التي هنا، ولكن هذه "الفانتازيا" التي ابتلينا بها لا تمانع في ان تقول: الناس لا يعرفون بناء البيت ولهذا فهم يسكنون على الاشجار مثلاً بينما هم يملكون السيوف والرماح والتروس… فكيف صنعوا هذه الادوات من دون ان يتمكنوا من بناء غرفة؟! اما عن مستقبل هذه الدراما فأنا اعتقد بأنه سيكون مزهراً خلال السنوات القليلة القادمة. انه زمن التسطيح والرداءة التي تفرض نفسها.