لو كان للقب "سيدة الشاشة العربية" ان ينطبق على فنانة من فنانات السينما المصرية خلال العقودة الأخيرة من السنين، من الواضح انه ينطبق على فنانتين هما فاتن حمامة وسعاد حسني. والملفت ان الأسمين مرتبطان فيما بينهما، رغم فارق السن والمرحلة التي لمعت فيها كل منهما. والجمهور العريض لم يفته هذا الارتباط، حيث ان استفتاء واسعاً اجري قبل أعوام، اعطى فاتن حمامة المركز الأول كأفضل ممثلة في تاريخ السينما المصرية، معطياً سعاد حسني المركز الثاني، وبفارق فيلم واحد فقط. يومها اختيرت عشرة أفلام من تراث فاتن حمامة، بوصفها بين الأفلام المئة الأولى، فيما اختيرت تسعة أفلام من تراث سعاد حسني. ولئن كانت "السيدتان" قد تجاورتا زمنياً في الستينات وبعض السبعينات، فإن فاتن حمامة هي اساساً سيدة الشاشة خلال الأربعينات والخمسينات، أما سعاد فهي "السيدة" منذ أواسط الستينات على الأقل، بمعنى انها الوريثة الشرعية لبطلة "دعاء الكروان" و"الحرام" و"لك يوم يا ظالم". والوريثة والموروثة عرفنا دائماً كيف تفرضان حضورهما في القمة. ولكن العدل يقتضي، اليوم، ان نقول ان سعاد حسني وقفت دائماً - ولا تزال حتى اليوم، رغم غيابها - وقفة تختلف الى حد كبير عن وقفة فاتن حامة. فإذا كانت هذه الأخيرة عرفت - خاصة - بلون تمثيلي واحد برعت فيه وكانت، ولا تزال، سيدته الأولى على الإطلاق، فإن سعاد كانت على الدوام فنانة أكثر شمولية: فنانة لم تكتف أبداً، بلون واحد تؤديه. ولا ينبع هذا القول، بالطبع، من حكم قيمة وتفضيل يحاولان ان يبخسا فاتن حمامة قيمتها، بل من واقع عرف كيف يجعل من سعاد حسني، فنانة خصبة متنوعة: نجدها في الأدوار الدرامية، كما في اللون الفكاهي، نجدها سيدة استعراض، كما في المشاهد العاطفية، نجدها حبيبة واماً واختاً وفتاة شوارع وقاتلة وضحية، متمردة وخاضعة... نجدها متألقة في أي دور يعطى لها. واحياناً في دورين متناقضين "بئر الحرمان" مثلاً. وهذا ما يعطي بطلة "الحب الذي كان" و"أهل القمة" و"شفيقة ومتولي" و"المتوحشة" فرادتها. بحيث اننا، في الوقت نفسه الذي نعتبرها فيه وريثة شرعية لفاتن حمامة، لن يفوتنا ان نجدها، كذلك، وريثة لشادية ولنعيمة عاكف ولمديحة يسري، واحياناً كما نأمل، ويأمل محبو فنها - ذات حضور طاغٍ، لا يمكن ان ينسى بسهولة، حضور يوازي حضور السينما المصرية نفسها في حياة ويوميات الملايين من المتفرجين العرب. ولعل الدليل الأكبر على هذا، هو ان سعاد حسني، الغائبة عن الشاشة وعن الحياة السينمائية المصرية، منذ ما لا يقل عن عقد من الزمن، تبدو اليوم الأكثر حضوراً رغم غيابها، من الكثير من الفنانيين الحاضرين. وحتى اليوم، حين تذكر السينما المصرية الجيدة، ويذكر فن التمثيل الاستثنائي، المقنع، لا بد من ان تكون صورة سعاد حسني الصورة التي تقفز الى الاذهان قبل غيرها. لكن هذا لا يمنع من طرح سؤال أساسي: بعد كل هذا الغياب، هل تعود سعاد حسني؟ واذا عادت، هل ستعود هي نفسها؟ وما هي هذه السينما التي ستعود اليها! هل هي السينما المتأزمة القائمة حالياً، أم السينما الأخرى، الطيبة التي يمكن، بعد، ان تعطي نجمات من طينة سعاد حسني ادواراً خالدة. "عين"