عكس حرص وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت على التوقف في المغرب قبل جولتها على الشرق الأوسط أخيراً، وكذلك زيارة مساعدها مارتن انديك لكل من تونسوالجزائر بعد التوصل إلى اتفاق "واي 2" في شرم الشيخ، عزم الولاياتالمتحدة على تكثيف اهتمامها بالمغرب العربي وتوسيع العلاقات مع بلدان المنطقة على كل الصعد، بعدما كان شمال افريقيا يحظى بأهمية ثانوية في الاستراتيجية الأميركية. وأكدت مصادر مطلعة ل"الحياة" أن الفترة المقبلة ستشهد تكثيفاً للزيارات المتبادلة بين مسؤولين أميركيين ومغاربيين لدرس آفاق التقدم في تنفيذ المشروع الذي اقترحته واشنطن على عواصم المنطقة العام الماضي، والمعروف ب"مبادرة ايزنستات"، نسبة إلى مساعد وزير المال الحالي والذي كان مساعداً لوزيرة الخارجية للشؤون الاقتصادية. وترمي المبادرة إلى إلغاء الحواجز التجارية بين الولاياتالمتحدة وكل من الجزائر والمغرب وتونس، تمهيداً لإنشاء منطقة للتبادل الحر وإقامة حوار سياسي دوري على مستوى وزاري، مما يشكل منافسة قوية للنفوذ الأوروبي في المنطقة. وأفادت أوساط مغاربية أن كلاً من أولبرايت وإنديك عرضا للمسؤولين في العواصم التي زاراها ان واشنطن تنوي اعطاء دفع جديد لمشروع الشراكة مع بلدان المنطقة في العام المقبل، خصوصاً لمناسبة الاجتماع الوزاري السنوي المغاربي - الأميركي في واشنطن. ويُستدل من المناقشات التي أجرتها أولبرايت ومساعدها مع كبار المسؤولين في البلدان المعنية ان الرؤية الأميركية لمستقبل العلاقات مع المنطقة ستقوم على أربعة محاور أساسية تعتبرها واشنطن إطاراً ضرورياً لنجاح المشروع، وهي انعا ش الاتحاد المغاربي والتركيز على ثلاث بلدان مغاربية فقط في هذه المرحلة، وإعطاء الشراكة المنوي اقامتها مضموناً اقتصادياً في الدرجة الأولى، وحض البلدان الثلاثة على لعب دور متزايد في تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي. وتأتي تنقية الأجواء بين البلدان المغاربية في مقدم الشروط التي يراها الأميركيون ضرورية لنجاح مشروعهم للشراكة الاقليمية. وفي هذا الإطار حض انديك المسؤولين الذين التقاهم في تونس، وخصوصاً في الجزائر التي تتولى رئاسة الاتحاد المغاربي منذ 1995، على تنشيط الاتحاد وانعاش مؤسساته واعطاء دفعة لمسار الاندماج الاقليمي، كونه يشكل ضمانة للاستقرار والأمن في شمال افريقيا والحوض الغربي للمتوسط، وكذلك لأن مصلحة اميركا تقضي بالتعاطي مع سوق تشمل سبعين مليون مستهلك وليس مع أسواق صغيرة. وكان انديك قال في الجزائر "إن واشنطن تساند مغرباً عربياً أكثر تماسكاً واستقراراً واندماجاً". وأبدى الأميركيون قلقهم من انتكاس التقارب الجزائري - المغربي، وشددوا على أهمية معاودة المساعي لعقد قمة بين الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة والملك محمد السادس لحل الخلافات العالقة ووضع قطار التعاون الاقليمي على السكة. من جهة أخرى، عكس كلام كل من أولبرايت وانديك استمرار الإصرار الأميركي على التعاطي مع الجزائر والمغرب وتونس واقصاء ليبيا وموريتانيا من المشروع لأسباب مختلفة. إلا أن مصادر حسنة الاطلاع أكدت ل"الحياة" ان الرفض الأميركي للبلدين ليس موقفاً مبدئياً، وإنما يعتمد مستقبل ادماجهما في المبادرة على مدى تحسن العلاقات الأميركية معهما، خصوصاً ليبيا التي زارها أخيراً نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابق رونالد نيومان لمناسبة القمة الاستثنائية لمنظمة الوحدة الافريقية، لكن الزيارة كانت غير رسمية. إلى ذلك، ينطلق مشروع الشراكة مع المغرب العربي من التركيز على الفوائد الاقتصادية التي يجنيها الطرفان، إضافة إلى الفوائد السياسية والاستراتيجية الواضحة. وعلى رغم الضيق الذي يظهره الأوروبيون من "الهجوم" الاقتصادي الأميركي الجديد على المنطقة، جاءت الرسالة التي حملتها زيارتا أولبرايت وانديك لتؤكد التصميم على المضي قدماً في تكثيف الاستثمار في المنطقة، خصوصاً في الجزائر التي باتت تستأثر بحصة الأسد من استثمارات القطاع الخاص في شمال افريقيا. وأفادت احصاءات أميركية ان الشركات الأميركية استثمرت في الجزائر نحو ثلاثة بلايين دولار في قطاعي النفط والأدوية. ويرجح أن يتعزز هذا الاتجاه مع دعوة ممثلي غرف التجارة في البلدان المغاربية الثلاثة إلى لقاء الشهر المقبل في تونس لدرس وسائل التعاون مع القطاع الخاص الأميركي. وكان ايزنستات طلب إلى الغرف الثلاث العام الماضي ارسال أفكارها في شأن تطوير العلاقات بين القطاع الخاص المغاربي ونظيره الأميركي وتلقى منها مذكرات في هذا المعنى. وفي هذا السياق، تدرس الأطراف المعنية حالياً اتفاقاً يتعلق بتنشيط الاستثمار الأميركي في المغرب العربي. ويأتي درس المشروع قبيل لقاء يعتزم الأميركيون استضافته قريباَ ويضم وزراء التجارة المغاربيين ونظيرهم الأميركي، إضافة إلى أن الكونغرس يناقش اجراءات تسهل التمويل الأميركي لمشروعات الشراكة في المغرب العربي. ويعتقد الأميركيون ان هذه المعادلة لا يمكن أن تكتمل ما لم تلعب العواصم المغاربية دوراً متنامياً في تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي، وهم شددوا في هذا الإطار على ضرورة تسريع خطوات التطبيع مع الدولة العبرية، بحجة أن ذلك يعزز "معسكر السلام" الإسرائيلي. وتحدثت أولبرايت الشهر الماضي أمام مخيم ضم أربعمئة فتى من تونس والمغرب والأردن وفلسطين ومصر واليمن وإسرائيل أمضوا نحو شهر في معسكر اقيم في ولاية ماين الأميركية، مؤكدة ان البرنامج "مكمل لمبادرة السلام التي قد يتم التوصل إلى اتفاق في شأنها"، في إشارة إلى اتفاق شرم الشيخ. وتجلى الدفع الأميركي في اتجاه اتخاذ مزيد من الخطوات التطبيعية في كلام انديك الذي أثنى كثيراً على اللقاء الذي جمع الرئيس الجزائري ورئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود باراك في الرباط. ويستدل من المعلومات التي نشرتها الصحف الجزائرية بعد زيارة انديك للجزائر ان الولاياتالمتحدة تضع التطبيع مع الدولة العبرية شرطاً لزيادة حجم المعونة الاقتصادية. وهكذا يشكل هذا الجانب بعداً مهماً لنجاح الشراكة الاقليمية مع البلدان المغاربية في رؤية الأميركيين.