طرابلس - أ ف ب - تمكنت ليبيا التي تحتفل اليوم الاربعاء بالذكرى الثلاثين لوصول العقيد معمر القذافي الى السلطة، من تجاوز سلبيات سبع سنوات من العقوبات الدولية بفضل استمرار تصدير انتاجها النفطي وحسن ادارتها المالية. الا ان بعض الخبراء يعتبر ان القطاع النفطي، المصدر الاساسي للعملات الصعبة، يحتاج الى اعادة تأهيل تستدعي اللجوء الى استثمارات اجنبية ضخمة. وقدر اجمالي الناتج الوطني الداخلي في ليبيا التي يبلغ عدد سكانها ستة ملايين نسمة، بينهم مليونان من الاجانب، بحوالي 32 بليون دولار في 1998، حوالي نصفها من العائدات النفطية. وتصدر ليبيا 25،1 مليون برميل نفط في اليوم من اصل انتاجها البالغ 4،1 مليون برميل في اليوم، مما يشكل 90 في المئة من صادرات البلاد حالياً. وتفيد الارقام الرسمية ان معدل دخل الفرد السنوي في ليبيا بلغ سبعة آلاف دولار في 1998 وفقاً للسعر الرسمي للدينار الليبي الذي يساوي 127،2 دولاراً، بينما يساوي في السوق الموازية نصف دولار. وقد أثرت سبع سنوات 1992-1999 من الحظر الجوي والعسكري الذي تعزز في 1993 بعقوبات ديبلوماسية واقتصادية شملت المعدات المرتبطة بالصناعة النفطية، على تنقلات الليبيين من طلاب ومرضى وعلى حركة التجارة التي كانت انطلقت بعد عشرين سنة من سياسة التأميم والاقتصاد الموجه. ودفعت العقوبات ليبيا او كانت مبرراً لوقف الهبات التي كانت تغدقها على عشرات الدول والاحزاب السياسية والمنظمات العسكرية، كما اضطرتها الى تقليص نفقات التسلح. لكن مستوى حياة الشعب، في ظل هذا الاقتصاد المؤمم بنسبة 90 في المئة مع وجود اكثر من 700 الف موظف، تراجع قليلاً منذ 1992. ومع تحسن سعر برميل النفط أكثر من 18 دولاراً حالياً يتوقع ارتفاع العائدات النفطية هذا العام بنسبة 22 في المئة عما كانت عليه في العام 1998، ولكنها تبقى أدنى بنسبة 20 في المئة عما كانت عليه في العام 1997. وحسب تقديرات غربية فإن العائدات النفطية لليبيا ستصل حدود عشرة بلايين دولار في العام 1999 بحيث تؤمن 67 في المئة من موازنة الدولة. ويقدر خبراء مقيمون في ليبيا الديون الخارجية الليبية بثلاثة بلايين دولار، ويؤكدون ان الودائع الليبية من العملات الصعبة المودعة في الاسواق المالية العالمية مهمة ومستثمرة في شكل فعال. يذكر ان طرابلس قليلة الكلام عن الاحصاءات وخاصة ما يتعلق منها بالرساميل المودعة في الخارج والتي "تدار بسرية وجدية وحزم"، حسب قول أحد الديبلوماسيين الاوروبيين الذي يؤكد ان ليبيا "بعيدة عن اجواء الهدر والفساد". وسيتيح رفع العقوبات الذي اقر في نيسان ابريل استيراد المعدات الضرورية لتحديث التجهيزات النفطية التي لم تشهد اي تغيير منذ العام 1992 على الرغم من استمرار عمل مجموعات نفطية عالمية كبرى في ليبيا ك"توتال" و"الف" و"اجيب" و"ريبسول". واعتبر خبير نفطي ان هذا القطاع "لا يشهد في الواقع تراجعاً تقنياً كبيراً لأن كل شيء يمكن الوصول عليه رغم الحظر ولكن بزيادة 10 في المئة على الاسعار يستفيد منها الوسطاء". واضاف ان "ما سيتغير هو حرية عمل الشركات الاجنبية التي تتعامل مع ليبيا لاستثمار رساميل ضخمة في المشاريع الجاري العمل فيها حالياً وتلك المعروضة للاستثمار المشترك". واوضح الخبير انه "حتى في أوج فترة العقوبات كانت الفنادق الليبية - والتونسية في جربا التي كانت ممراً لا بد منه الى ليبيا - تعج بممثلي الشركات الاوروبية وحتى الاميركية"، الذين ما زالوا "يتنافسون للحصول على العقود في ليبيا متحدّين التهديدات الاميركية" بفرض عقوبات على المستثمرين في هذا لبلد. ومع ذلك، فقد دفعت ليبيا غالياً خلال سنوات العقوبات السبع وتحدثت طرابلس مراراً عن خسائر تقدر ببلايين الدولارات سنوياً في قطاعي الزراعة والصناعة اللذين كانا يشكلان 54 في المئة من الناتج الاجمالي الداخلي قبل 1992. ولم تشجع الشعارات التي اطلقها القذافي مثل "البيت لساكنه" و"شركاء لا أُجراء" قطاعي البناء والصناعة الخفيفة اللذين بقيا حكراً على الدولة التي تحاول اليوم تشجيع الافراد على الاضطلاع بها. وبالاضافة الى مشروعه "النهر الصناعي العظيم" الباهظ التكاليف 25 بليون دولار الذي ينقل ستة ملايين متر مكعب يومياً من مياه الجنوب الى مدن الساحل، يفتخر النظام بأنه شيّد خلال ثلاثين عاماً 103 مستشفيات و11 جامعة و25 الف كلم من الطرقات وثماني مطارات كبرى واصلح 8،1 مليون هكتار من الاراضي الزراعية. ويقول أحد الاقتصاديين انه اذا كان تكفل الدولة بحاجات مواطنيها الاساسية "جعل المواطن الليبي، على رغم قيود عدة اخرى، يفاخر بمستوى معيشته مقارنة بالدول المجاورة، فإن اشتراكية السبعينات لا يمكن ان تستمر اكثر والتحرير الواسع للاقتصاد يفرض نفسه لمواكبة تحديات العولمة".