نقلت وكالة الانباء الجزائرية في آب اغسطس الماضي عن وزير المال عبدالكريم حرشاوي ان قيمة صادرات النفط والغاز ستنخفض الى 11.2 بليون دولار عام 1998، مقارنة مع رقم مستهدف قدره 12.5 بليون دولار، وهو ما سيؤدي الى عجز في ايرادات الضرائب قدره 68 بليون دينار 1.17 بليون دولار. وتشكل الضرائب على النفط والغاز اكثر من 50 في المئة من عائدات الحكومة. وقدم حرشاوي الخطوط العريضة لموازنة معدلة الى البرلمان تتوقع متوسطاً لسعر النفط الخام للعام قدره 15 دولاراً البرميل بدل 18 دولاراً، الرقم المتوقع في الموازنة الأولية. وفي بداية شباط فبراير 1999، اعترف رئيس مجلس ادارة شركة "سوناطراك" الجزائرية الوطنية، عبدالمجيد العطار، بأن هذه المؤسسة خسرت اكثر من ثلاثة بلايين دولار العام المنصرم، أي ما يوازي اجمالي استثماراتها تقريباً. وفي المقابل، أشار الى تحقيق 14 اكتشافاً جديداً، من بينها 12 تم التوصل اليها بالاشتراك مع الشركات الاجنبية العاملة في الحقول الجزائرية، مثلت أكثر من 180 مليون طن موازياً للنفط. من جهة أخرى، زاد انتاج غاز النفط المسيل، بحدود 12 في المئة والغاز الطبيعي المسيل بنسبة اثنين في المئة بالمقارنة مع عام 1997. وتمكنت سوناطراك العام الماضي من تسويق 108 ملايين طن مواز للنفط في الاسواق العالمية، فيما باعت للسوق المحلية نحو 20 مليون طن. عجز واحتياطات ولم يتوقف العطار عند حدود التشخيص المتعلق بوضعية الشركة التي يرأسها، بل ذهب أبعد من ذلك عندما تحدث علناً عن قيمة العجز الفعلي البالغ 3.5 بليون دولار على صعيد عائدات البلاد، مركزاً على الخطر المقبل، اذا لم يتم تدارك الأمر قبل فوات الأوان، فحقيقة الأمر ان عائدات الجزائر من الهيدروكربورات تدنت من 13.6 بليون دولار عام 1997 الى 9.7 بليون دولار عام 1998 وذلك على رغم ارتفاع الانتاج بمعدل اثنين في المئة. من جهته، يقدر صندوق النقد الدولي، القيمة الحالية لثروة الجزائر من الهيدروكربورات بأنها تساوي 355.8 في المئة من حجم ناتج دخلها القومي الاجمالي، وذلك على قاعدة سعر 13 دولاراً البرميل الواحد، ويوضح الصندوق ان الملحق الخاص بالاحصاءات التي نشرت في تقريره رقم 98/87 بأن الآراء الواردة في هذه الوثيقة لا تعكس بالضرورة آراء الحكومة الجزائرية أو مجلس ادارة المؤسسة المالية العالمية. وتقوم الفرضيات المعتمدة من قبل صندوق النقد على الحسابات التالية: احتياطات الهيدروكربورات 33 بليون برميل، نسبة الاستخراج خمسة في المئة، نسبة الفائدة الحقيقية 3.5 في المئة، وكلفة الانتاج خمسة دولارات للبرميل. وتشكل حصة الهيدروكربورات في عائدات الموازنة الجزائرية جزءاً اساسياً إذ أنها لم تتوقف عن الارتفاع منذ خمسة أعوام. ففي عام 1996 وحده، انتقلت هذه الحصة من 59.7 في المئة الى 13 في المئة، في حين تراجعت حصة الضرائب والرسوم بالمقارنة مع مجمل العائدات في شكل ملفت. وتشير الاحصاءات الى ان ناتج الدخل القومي لناحية نشاط الهيدروكربورات انتقل بالفعل من 250 بليون دينار عام 1993 الى 818 بليوناً عام 1997 الدولار يساوي 60 ديناراً جزائرياً. وتشير التوقعات الى ان الصادرات من غاز النفط المكرر ستصل الى حدود 8.5 مليون طن سنة 2005 مقابل 3.9 مليون طن حالياً. وترى شركة "سوناطراك" ان الحصص العائدة لأبرز الأسواق يجب ان تحافظ على استقرارها بحيث يبقى المحيط المتوسطي السوق الأولى للغاز الجزائري بنسبة 55 الى 60 في المئة، تليه القارة الاميركية من 25 الى 35 في المئة. ويتوقع خبراء الشركات النفطية الغربية بأن يصل العرض الجزائري من غاز النفط المكرر الى نحو 10 بلايين طن بين عامي 1990 وؤ199. ويعتبر الخبراء انفسهم ان زيادة العرض والصادرات مرتبط بتنمية حقول الغاز الرطب في جنوب شرقي "حاسي رمال"، أكبر الآبار النفطية في الجزائر. في ظل هذه الظروف المحيطة بقطاع النفط والغاز، لا تخفي السلطات الجزائرية المختصة قلقها حيال تأثير انخفاض اسعار النفط في اسعار الغاز الطبيعي على رغم كون كميات الغاز الموجودة في صادرات الجزائر من الهيدروكربورات قد ساعدت عملياً بالتخفيف من الانعكاسات السلبية طوال الاشهر الماضية. لكن استمرار وتيرة الانخفاض في الاسعار منذ سنة ونيف من شأنه ان يؤثر في عائدات التصدير وفي مشاريع تطوير قطاع الغاز. ووصف يوسف يوسفي وزير الطاقة والمناجم الجزائري، بقاء سعر برميل النفط الخام في حدود العشرة دولارات "بالكارثة"، واعتبر ان اسعار الغاز وصلت مبدئياً الى نهاية الحدود المسموح بها والتي لا يجوز النزول تحت عتبتها، مضيفاً الى انه اذا ما استمر الحال على هذا النحو المرتبك، فإن العمل على تطوير عدد من الآثار المهمة سيتوقف. ونتيجة لهذا التخوف، عمدت "سوناطراك" الى تنظيم مؤتمر حول الغاز في الجزائر في الثالث من كانون الأول ديسمبر الماضي. وتلخص الهدف من هذا اللقاء درس الوسائل الكفيلة بمواجهة الانعكاسات السلبية للسوق النفطية على الغاز. وتشير التقارير الى ان صادرات الجزائر من الغاز الطبيعي ناهزت ال 47 مليون طن موازياً للنفط. وتتوقع وزارة الطاقة والمناجم من جهتها بأن تصل صادرات الجزائر من الغاز في السنة الجارية الى تحقيق الهدف الذي سبق وحددته بپ60 بليون متر مكعب سنوياً، ومع ذلك، يبدو الأمر معقداً نظراً لحجم الدين الخارجي المقدر رسمياً بنحو 30 بليون دولار. وليس أمام الحكومة الجزائرية بالتالي سوى تحقيق الأهداف الواردة في استراتيجيتها الجديدة الخاصة بقطاع الهيدروكربورات. ويتعلق الأمر بالدرجة الأولى بمراجعة خطة التنمية التي وضعتها شركة سوناطراك عبر خفض أكلاف الاستغلال وصرف النظر عن المشاريع المقررة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، يتحتم على الجزائر متابعة الجهود من أجل دفع منظمة "أوبك" الى خفض انتاجها من النفط بحدود 1.5 بليون برميل يومياً. وفي هذا السياق يرى بعض الخبراء بأنه على الحكومة الجزائرية ان تواصل سعيها، على رغم المعوقات الذاتية والموضوعية، لجذب الشركاء الاجانب للاستثمار في مجالي التكرير والبتروكيماويات. لذا، بادر الوزير يوسفي الى دعوة الشركات الاجنبية للمشاركة في استغلال محطات التكرير الأربع وعدد من وحدات انتاج البتروكيماويات التي استعادت سوناطراك ملكيتها في الفترة الأخيرة. ويبقى التداول الأهم وهو "كيف تنظر شركات النفط العالمية للجزائر وثرواتها من الطاقة وكيفية التعامل معها عشية الانتخابات الرئاسية"؟ ضغوط وابتزاز على هذه التساؤلات يجيب خبير أساسي مقرب من الشركة النفطية الاميركية "آركو" التي تنوي الاستثمار بما يقرب من 335 مليون دولار في الحقول الجزائرية بالقول انه على رغم كون الفرص واعدة إلا انه ينبغي التريث بعض الشيء واعادة درس الخيارات المتوافرة مجدداً، مما يدعو الى الاعتقاد بأن الشركات الغربية وفي طليعتها الاميركية والمصارف التي تواكبها لن تتحرك قبل مرور عدة اشهر على انتخاب الرئيس الجزائري الجديد، من هنا، ينبغي السؤال: كيف ستتمكن شركة سوناطراك من تمويل برنامجها المقدر ب 20 بليون دولار من الاستثمار الضروري الذي وضعته موضع التنفيذ منذ عام 1995 والذي يستهدف مضاعفة الانتاج بنسبة 50 في المئة لدى تاريخ الاستحقاق المحدد في 2003. وتجدر الإشارة الى ان السلطات الجزائرية المختصة سبق وأعلنت ان هذا البرنامج سيصل الى هدفه في السنة 2001 وفق وتيرة استثمارية سنوية بحدود أربعة بلايين دولار من ضمنها بليون يأتي على شكل استثمارات خارجية مباشرة، في حين يمول الباقي بقروض من الأسواق المالية العالمية الخاصة. فاستحقاق السنة 2001 يفسر بالنسبة لپ"سوناطراك" والحكومة الجزائرية وصندوق النقد الدولي من خلال مضاعفة الصادرات كي تتمكن الجزائر من مواجهة الاستحقاقات المالية التي ترتبت على خزينتها بعد اعادة جدولة الدين أي أكثر من سبعة بلايين دولار سنوياً. فإمكانية التسديد لا يمكن ان تتم في الواقع إلا إذا كانت الصادرات من النفط والغاز وصلت الى حدود 16 بليون دولار بسعر وسطي لبرميل النفط بنحو 18 دولاراً للبرميل. بناء عليه، يمكن القول ان التفاؤل الذي ساد في وقت من الأوقات لدى الحكومة وشركة "سوناطراك" معاً لناحية اندفاع الشركات النفطية الاجنبية نحو الاستثمار في الجزائر، خصوصاً بين عامي 1993 و1996 قد تبدل اليوم. على أية حال وخلافاً لكل الضجيج الاعلامي الذي واكب اندفاعة هذه الشركات، فإن الحقيقة تؤكد ان الاستثمارات الخارجية لم تتجاوز مطلقاً في قطاعي الغاز والنفط معاً ما قيمته 500 مليون دولار سنوياً. كما ان الترتيبات المالية للقروض تبدو اليوم معقدة على رغم وصول سعر برميل النفط في بداية العام الماضي الى 20 دولاراً في الوقت الذي كانت فيه السلطات النقدية في الجزائر تراكم احتياطاتها من العملات الاجنبية. اليوم وبعد تدهور اسعار النفط والتراجع النسبي لأسعار الغاز يرى الخبراء ان المردود المالي للاستثمار في قطاع النفط الجزائري أصبح معقداً بالمقارنة مع السابق ويتطلب ضمانات مختلفة. ويأتي الحذر الكبير لهذه الشركات من اعتبارات بنيوية في المديين المتوسط والطويل ومن أسباب أخرى موضوعية. ويرى خبراؤها ان العائق الاساسي يعود بالدرجة الأولى الى الارتباط الكبير بين الاقتصاد الجزائري وصادراته من الطاقة. فأكثر من 96 في المئة من صادرات البلاد من البضائع تأتي من عائدات هذا القطاع ومن المناجم، ما يمنع بالتالي توافد أي استثمار خارج هذا الاطار. ويستحسن في بعض الحالات الاستثمار في مشاريع لا تكون نتائجها مرتبطة مباشرة أو غير مباشرة بالاقتصاد الريعي النفطي، لأنه في حال تدهور الأسعار فإن المخاطر المالية ستكون عندئذ أقل تأثيراً. من جهة أخرى، تأخذ الشركات العالمية في حسابها على المدى البعيد نشوء مشكلات على صعيد الانتاج والنقل، الأمر الذي بدا يبدد جزءاً من شجاعتها على الإقدام كما في الاعوام القليلة الماضية. فإذا كان الانتاج مضموناً نتيجة التعاون بين عدد من الشركات في حقل معين الا ان النقل لا يتم حتى الآن الا عبر شبكة أنابيب "سوناطراك" وحدها. لذا ترى هذه الشركات ان الاحتكار الحالي مكلف وبأنه بات من الضروري ان تقوم بعملية النقل بوسائلها الخاصة التي تضع أسسها وبنياتها بالطرق القانونية بدل ان تكون رهينة للشركة الوطنية في حال حدوث اختلافات. وتلقي هذه التباينات بثقلها في كل مرة يتفاوض فيها الجزائريون والشركات النفطية الاجنبية، ما يجعل الممولين من مصارف ومؤسسات مالية وشركات التأمين العالمية تتردد عندما يتعلق الأمر بتقييم كلفة المخاطر. وتتذرع هذه الشركات بعدم وجود مناطق الانتاج في حقول "أوفشور" قانونية تقع على بعد ألف كلم على الأقل من حدود الجزائر مع دول الجوار، الأمر الذي يزيد في الحذر الذي ينعكس على شروط الاستثمار والضمانات القانونية. ويخلص بعض الخبراء الاجانب الى القول ان الوضعية أصبحت أصعب من ذي قبل. فشركاء "سوناطراك" يدركون هذه الحقيقة وبالتالي يسعون، مستفيدين من ذلك، الى فرض أقصى ما يمكن من شروط على الحكومة الجزائرية المحصورة بين مطرقة المخاطر من الوصول الى حال عدم القدرة على تسديد استحقاقتها والحاجة الماسة الى اجتذاب الرساميل لتطوير الانتاج وسندان الوضع السياسي غير المستقر. وتراهن السلطات الجزائرية اليوم على حدوث ارتفاع مستقر لأسعار النفط والغاز في الأشهر المقبلة كي تتمكن من تحسين شروط تفاوضها من جهة وضخ ما يمكن من استثمارات بعد الاستدانة من الاسواق المالية العالمية، لمضاعفة انتاجها وفق البرامج المرسومة.