حددت الحكومة الكويتية لنفسها موعداً آخر مستحيلاً لتصفية مشكلة المقيمين غير محددي الجنسية البدون هو السابع والعشرون من حزيران يونيو 2000، ويمكن القول منذ الآن ان هذا الموعد لن يشهد حلّ المشكلة مثلما ان مواعيد اخرى ضربتها الحكومة للانتهاء من مشكلة "البدون" لم تتحقق على مدى السنوات الماضية. أعلن مجلس الوزراء بعد نظره في جلسته الاسبوعية اول من امس في تقرير قدمته "اللجنة التنفيذية لشؤون المقيمين بصورة غير قانونية" ان السلطات اصبح لديها معلومات عن الهويات الحقيقية ل"البدون" الذي يدّعون عدم انتمائهم لأي جنسية اخرى غير الكويت وان "جزاءات قانونية رادعة" ستطالهم ما لم يصحّحوا اوضاعهم قبل السابع والعشرين من حزيران يونيو المقبل. وكانت الحكومة وعدت "البدون" الذين يكشفون عن وثائق تثبت انتماءهم الاصلي بتسهيلات مثل منح الاقامة ورخصة العمل واغراءات اخرى لكنها حصرت امكانية منح الجنسية الكويتية ل"البدون" الذين لهم اثبات وجود في الكويت من خلال احصاء عام 1965، وهؤلاء يمثلون اقلية بين افراد "البدون" الذين يفوق عددهم مئة الف. وكانت مشكلة "البدون" بدأت بالتشكّل في الستينات عندما اجتذبت اوضاع الرفاهية التي حققتها الثروة النفطية للكويت مئات الآلاف من دول مجاورة ومن البادية، وساعد سوء الضبط والادارة عند الاجهزة المختصة في قبول استقرار عشرات الآلاف من الوافدين في البلاد من دون وثائق سفر تثبت الجهة التي قدموا منها. وعندما بدأت الحكومة اول محاولات لمعالجة المشكلة في منتصف الثمانينات كان عدد "البدون" يقترب من ربع مليون نسمة. والامر الذي زاد من رسوخ المشكلة ان الاجهزة العسكرية والامنية قبلت في صفوفها اكثر من 20 ألفاً منهم. وعندما جاء الغزو العراقي غادر اكثر من نصف "البدون" الكويت خلال شهور الاحتلال للعيش في العراق مما دلّ على ان نسبة كبير من "البدون" هم عراقيون ممن تسللوا الى الكويت بحثاً عن فرص العمل. وأعلنت الحكومة عام 1992 أن عدد "البدون" في الكويت هو 122 الفاً وان اعداداً متزايدة منهم بدأت تظهر وثائقها الاصلية مما يعني ان المشكلة في طريقها الى الزوال خلال سنوات قليلة، وصدرت قرارات بعدم توظيف "البدون" في الاجهزة الحكومية وعدم منحهم خدمات تعليمية وصحية الى حين "تعديل اوضاعهم"، اي كشف اوراقهم الثبوتية الاصلية. لكن جهود التعامل مع المشكلة ظلت بين مدّ وجزر وسط خلافات داخل الحكومة ومع مجلس الامة البرلمان حول حجم الضغوط التي يُسمح بممارستها ضد "البدون" اذ اعتبر نواب وناشطون في مجال حقوق الانسان ان منع الخدمات الصحية عن "البدون" غير مقبول انسانياً، وان منعهم من فرص العمل يزيد من مخاطر جرائم السرقة والعنف. وتعمل وزارة الداخلية حالياً على تجزئة المشكلة وتفتيتها ومحاولة استخلاص المجموعة التي يُقبل على الصعيد السياسي والاجتماعي منحها الجنسية، ولذا بدأت السلطات تمنح الجنسية لدفعات صغيرة من "البدون" الذين لهم ارتباط عائلي وثيق مع عائلات كويتية ، ومن المحتم ان يحصل "البدون" الذين لهم وجود قبل عام 1965 ولهم أقارب كويتيون على الجنسية في المستقبل القريب، لكن هذه الفئة يقلّ عددها عن عشرة آلاف شخص، في حين ان آخر الاحصاءات تشير الى ان مجموع "البدون" في عام 1999 هو 110 آلاف تقريباً منهم 68 الفاً غير مشمولين بإحصاء 1965. ولم تقدم الحكومة معلومات مفصّلة عن اعداد الذين كشفوا عن هوياتهم الاصلية او نوع هذه الهويات، مما يشير الى ان عدد هؤلاء ليس كبيراً. ومن المتوقع ان كون الوثائق الاصلية لكثير من "البدون" عراقية هو ما يمنعهم من تقديمها مع ان السلطات لا تمانع في منح من يحمل جواز سفر عراقياً رخصة الاقامة في الكويت وان أكثر من سبعة آلاف عراقي لا يزالون يقيمون في الكويت بموافقة رسمية، ويحظر القانون الكويتي إبعاد وافد الى بلد تكون فيه حياته معرّضة للخطر. واتسم اسلوب الحكومة الكويتية في مواجهة المشكلة ومعالجتها بالبطء والتردد. وفي ضوء اداء الحكومة على مدى سنوات في هذا الميدان يصعب تخىّل ان المشكلة ستنتهي في 27 حزيران يونيو المقبل وان مئة الف ممن يدّعون بإصرار انهم كويتيون سيذهبون طواعية الى لجنة "البدون" كاشفين عن اوراقهم الاصلية.