على رغم أن اقتراح الملك فيصل بن عبدالعزيز إطلاق اسم "ميناء جدة الإسلامي" على هذا الميناء الواقع جنوب غربي مدينة جدة جاء في نهاية كانون الثاني يناير 1973، إلا أن نشأته تعود إلى نهاية الربع الأول من القرن الأول الهجري أواخر النصف الأول من القرن السابع الميلادي، وبالتحديد في عهد الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان. وبرزت الحاجة إلى إنشاء ميناء جدة من ضرورة ربط مكةالمكرمة ببقية مدن العالم لاستقبال الحجاج أولا، والبضائع والسلع المتنوعة ثانياً. وجاءت أهمية الميناء من وقوعه على البحر الأحمر الذي يقع على جانبي قارتي آسيا وأفريقيا ويتوسط بحار العالم ومحيطاته، وبالتالي تمر عليه غالبية السفن المبحرة من الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب. وازدادت أهميته بعد شق قناة السويس في القرن الماضي الأمر الذي أدى إلى ربطه بصورة مباشرة بالبحر الأبيض المتوسط وبالتالي أصبح همزة وصل بين ثلاث من قارات العالم: آسيا وأفريقيا وأوربا. كما اعتبر الميناء موردا رئيسيا للمنطقة منذ القدم كون البضائع الآتية من الشرق تُفرغ فيه ويتم تحصيل الرسوم الجمركية المفروضة عليها قبل نقلها إلى مكة أو إلى داخل شبه الجزيرة العربية وبلاد الشام أو الموانئ المصرية. وعلى رغم العقبات التي كانت تواجه رسو السفن خصوصاً الكبيرة منها في الميناء بسبب كثرة الشعاب المرجانية في البحر الأحمر إضافة إلى ضحالة مياهه وضيق مرساه، إلا أنه تم التغلب عليها بوقوف السفن على بُعد ميلين من الميناء لتُرسل إليها القوارب الصغيرة التي تُحمل البضائع وتقفل عائدة إلى الميناء مرة أخرى لتفريغها وهكذا. الميناء تحت الحكم العثماني بدأ الميناء عصره الذهبي في أيام الحكم العثماني في الحجاز، إذ فرضت الجهات المختصة رسوماً جمركية بواقع 10 في المئة من قيمة البضائع التي تُفرغ في الميناء. وكانت القيمة تُقدر بمبالغ كبيرة تفوق في بعض الأحيان الأسعار التقديرية لها، إضافة إلى فرض رسوم لرسو السفن سواء فرغت بضائعها أو توقفت لفترة من الزمن ومن ثم تابعت إبحارها الى موانئ أخرى. وقُسمت هذه الرسوم بين كل من والى جدة وشريف مكة واعتبرا الجهتين الاشرافيتين على الميناء في ذلك الوقت، وعين كل منهما نائباً له لتحصيل الرسوم في الميناء. وأسس القائمون على الميناء آنذاك إدارة يتبعها جمرك الميناء أطلقوا عليها اسم "مديرية الرسوم الجمركية" أصبحت في ما بعد "الدائرة الجمركية" وأحيانا "إدارة الميناء"، اختصت بفرض الرسوم وتنظيم عملية تحصيلها وتوزيعها بعد دفع رواتب الموظفين والعاملين في الميناء. وأُعلن عن موعد وصول السفن عن طريق شخص يدعى "المنادي" والذي كان يجول بين التجار في أسواق جدة ويبلغ عن وصول السفن المختلفة ومواعيدها. وفي وقت الحج من كل عام قامت جهة تدعى "هيئة السؤال" بالاستفسار من الحجاج القادمين إلى الميناء عن أسماء مطوفيهم ليتم تقسيمهم إلى طوائف بين المطوفين الذين كانوا بدورهم يتولون أمر إدخالهم إلى مكة والمدينة للحج والعمرة والزيارة. واعتبرت الدولة العثمانية ميناء جدة من أهم موانئ الحجاز على الإطلاق لاحتلاله موقعا جغرافيا متميزا على ساحل البحر الأحمر، ولكونها مركزا ينزل منه الحجاج إلى الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، وأخيرا باعتبارها المفتاح الذي تدخل به غالبية تجارة شبه الجزيرة العربية. كما أصبحت العائدات الجمركية المحصلة في الميناء المصدر الرئيسي للدخل في المنطقة كونه أهم الموانئ وأكثرها نشاطا وارتباطا بحركة التجارة العالمية، وكمثال تم تحصيل نحو 170 ألف جنيه استرليني في عام 1883، ونحو 160 ألف جنيه عام 1884 من الرسوم المختلفة. وجاءت غالبية الإيرادات من الرسوم الجمركية المفروضة على البن الذي يأتي من اليمن والتمور والعباءات من العراق وسن الفيل والسمن من الحبشة والصابون والقماش والدخان من مصر. وأدى استقبال الميناء لكثير من السفن القادمة من جميع أنحاء العالم إلى الاهتمام بالأسواق وإنشاء العديد منها في جدة واعتبارها أكثر الأسواق انفتاحا على العالم الخارجي وضمها لشتى أنواع البضائع والسلع. وامتهن غالبية سكان جدة التجارة وكان أساس عملهم التعامل مع البضائع المختلفة والصادرات والواردات. ومن أهم السفن التي استقبلها الميناء نهاية القرن الماضي وبداية الجاري: التركية والمصرية والفرنسية والفارسية والإنكليزية والإيطالية واليونانية. الميناء في ظل العهد السعودي كان أول إنجاز يتم في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود هو ربط جزيرة المفسكة التي كان عليها الميناء بمدينة جدة بواسطة طريق بري، ليصبح الاتصال بين الميناء وجدة مباشرا، كما تم إنشاء رصيف بطول 170 متراً لاستقبال سفينتين في وقت واحد ورصيف آخر لاستقبال سفن لا يزيد طولها عن مئة متر وثالث للصنادل. وفي عهد الملك خالد أنشئت "المؤسسة العامة للموانئ" نتيجة لزيادة حجم الواردات ومتطلبات التنمية. ومنذ انشائها في عام 1976، قامت المؤسسة بتلبية جميع الاحتياجات التي ساهمت في تطوير العمل في الميناء ومواكبة النمو الحضاري في العالم، وتم إنشاء العديد من الأرصفة الجديدة والتجهيزات الأساسية وتحديث أساليب العمل الإداري ورفع مستوى العاملين فيه، ووقف وراء هذا كله خادم الحرمين الشريفين الذي دعم المشروع منذ أن كان ولياً للعهد وحتى الوقت الحاضر. وتبلغ مساحة الميناء الإجمالية حالياً نحو 10.5 كيلومتر مربع، ويحتوي على 85 رصيفاً مجموع أطوالها 11.2 كيلومتر بأعماق تصل حتى 14 متراً لترسو عليها أكبر السفن التجارية في العالم. وتبلغ مساحة مناطق التخزين في الميناء نحو 2.5 كيلومتر مربع تنقسم إلى مناطق تخزين مكشوفة ومغطاة. وأنشئت محطة لتسهيل قدوم الحجاج عبر الميناء بكلفة بلغت 37 مليون ريال وعلى مساحة 60 ألف متر مربع بحيث تستوعب 2500 فرد. ويحتوي الميناء أيضا على عدد من المحطات التي تستقبل الواردات المتنوعة مثل: محطة البضائع المبردة والمجمدة ومحطة المواشي الحية ومحطة الحبوب السائبة ومحطة الحاويات ومحطة بضائع الدحرجة ومحطة البضائع العامة، إضافة إلى برجي إدارة الميناء والمراقبة البحرية. ومن الأجهزة المساندة التي ضُمت إلى بقية التجهيزات في الميناء، حوض الملك فهد لإصلاح السفن ويشغل مساحة مئة ألف متر مربع، وجُهز بأحدث المرافق التي يحتاجها إصلاح السفن ويحتوي على حوضين عائمين أحدهما يتسع لسفن تصل حمولتها إلى 45 ألف طن من الأوزان والآخر لنحو 16 ألف طن. ومنحت هيئة صناعة الشحن الآسيوية ميناء جدة الإسلامي في 1994 جائزة أفضل ميناء في الشرق الأوسط.