برزت تجربة موانئ دبي في النصف الثاني من العقد الجاري كإحدى ابرز التجارب الناجحة ليس على الصعيد العربي وانما العالمي وتميزت عن غيرها في المنطقة كونها الاولى من نوعها التي تدار على أسس تجارية على رغم انها مملوكة بالكامل لحكومة الامارة، وهي في الوقت نفسه الاكبر في المنطقة العربية لجهة الامكانات والطاقة الاستيعابية. ويعود جزء كبير من نجاح موانئ دبي الى عوامل عدة يتعلق الاول منها بالموقع التجاري للامارة التي تعتبر الاكثر نشاطاً والمركز الاقليمي لاعادة الصادرات بتجارة خارجية يقدر حجمها السنوي بنحو 25 بليون دولار، وهو ما جعلها في مقدم دول العالم مقارنة بعدد السكان الذي يدور حول مليون نسمة تقريباً، في حين يعود العامل الثاني الى انشاء المنطقة الصناعية والخدمية والتجارية الحرة في جبل علي في الثمانينات والتي ساعدت على انعاش حركة الشحن بمختلف انواعه. اما العامل الثالث فيعود الى نشاط مطارها الدولي وارتباطه بأكثر من 120 خطاً جوياً، وهو ما ينعكس ايجاباً على حركة الشحن البحري والجوي من جنوب شرق آسيا الى اوروبا وبالعكس. وتعاملت موانئ الامارة العام الماضي مع 2.8 مليون حاوية نمطية في مقابل 2.6 مليون حاوية حجم تعاملاتها عام 1997 بما يعادل نمواً قدره ثمانية في المئة اذ ارتفعت حصة السوق المحلية من اجمالي البضائع المنقولة في الحاويات سواء في مجال الاستيراد والتصدير التي ناولتها موانئ دبي الى اكثر من 1.4 مليون حاوية، معتبراً ان ذلك يعكس النمو الملحوظ في حجم التجارة الداخلية. وفي العام الماضي، بدأت ادارة موانئ دبي العمل على اتباع سياسة جديدة هي الاولى من نوعها في الشرق الاوسط لتوظيف تجربتها الناجحة واستغلالها مالياً، عبر الدخول في العطاءات التي تطرحها الموانئ العربية والاقليمية لادارة موانئها تجارياً وبكفاءة عالية. وقبل اشهر فازت موانئ دبي بعقد ادارة محطة الحاويات الجنوبية لميناء جدة الاسلامي بالتعاون والتضامن مع مؤسسة الصيانة السعودية "صيانكو" في ثاني عقد تفوز فيه في المنطقة خلال اقل من سنة بعدما فازت اخيراً بعقد ادارة محطة الحاويات في ميناء بيروت. ويقول سلطان بن سليم رئيس سلطة المنطقة الحرة لجبل علي المدير العام لموانئ دبي ان العقد الجديد مع "صيانكو" جاء نتيجة مناقصة طرحتها الموانئ السعودية تقدمت اليها 11 شركة عالمية في مجال ادارة الموانئ وتم اختيار سبع شركات توافرت لديها الشروط المطلوبة المحددة من قبل السلطات السعودية، وتمكنت موانئ دبي و"صيانكو" في نهايتها من الفوز بالمناقصة التي اتسمت بمنافسة شديدة. وتبلغ مدة عقد الادارة الخاص بمحطة الحاويات الجنوبية لميناء جدة وهي المحطة الوحيدة الخاصة بمناولة الحاويات على البحر الاحمر وتتعاون مع مليون حاوية سنوياً 20 عاماً، في حين يشمل العقد تقديم الدعم الفني وانظمة المعلومات والتدريب وغيرها من القضايا الخاصة بأعمال الادارة. وكانت موانئ دبي فازت في تشرين الاول اكتوبر الماضي بعقد ادارة محطة الحاويات لميناء بيروت متفوقة بذلك على منافسة عالمية شملت عدداً من اشهر الموانئ والخطوط الملاحية العالمية، بعد منافسة بين 15 شركة. وقال ابن سليم ان النجاح المحقق في السعودية والذي جاء بعد اشهر من النجاح المحقق في لبنان يعكس الثقة الاقليمية بقدرة سلطة موانئ دبي على تقديم خدمات متطورة، مشيراً الى ان وجود السلطة في ميناء على ساحل المتوسط وآخر على ساحل البحر الاحمر اضافة الى الخليج يوفر خدمات اضافية متطورة ومتكاملة لعملاء شركات الشحن ولهذه الصناعة عموماً. وتعمل سلطة موانئ دبي حالياً على درس امكان تقديم خدماتها لموانئ عدة في المنطقة والعالم، وهي تسعى الى تأسيس شركة مستقلة تابعة لها تتولى ادارة الموانئ في العالم. ويقول ابن سليم: "هناك دائماً فرص لتقديم خبراتنا وقدراتنا الى موانئ عدة تحتاج الى ذلك وفي المقابل فان ذلك سيعود علينا بالنفع سواء من ناحية اظهار الصورة المتطورة للاماراة او من ناحية تعزيز العائدات المالية". وتأمل موانئ دبي بالفوز بعقد مماثل لادارة الموانئ العراقية بعدما ارسل العراق في الاشهر الماضية عدداً من الوفود التجارية والحكومية الى دبي للاطلاع على التسهيلات المتوافرة في موانئ الامارة وفي المنطقة الحرة في جبل علي. وقامت سلطة موانئ دبي في اطار التعاون المشترك العام الماضي بتدريب طاقم عراقي للمساعدة في ادارة ساحات الحاويات في الموانئ العراقية ضمن دورة استمرت ثلاثة اسابيع شملت شرح احدث ما توصلت اليه تقنية مناولة الحاويات في موانئ دبي. وتسعى دوائر دبي الخدمية خلال المرحلة الحالية الى توسيع دائرة اعمالها ونقل خبراتها خارج دولة الامارات بعدما تمكنت في الفترة الماضية من تحقيق عدد من النجاحات التشغيلية والادارية داخل محيطها. ويقول مراقبون في دبي ان دوائر الامارة قادرة على نقل تجربتها الناجحة الى الخارج، اذ على رغم كونها دوائر حكومية الا انها تعمل على أسس تجارية استناداً الى فلسفة الحكومة في هذا الاتجاه. وتمكنت موانئ الامارة عام 1998 من المحافظة على ترتيبها في المركز الثالث عشر بين اكبر موانئ العالم في حركة مناولة الحاويات وذلك للعام الثاني متقدمة بذلك على موانئ عالمية مثل نيويورك وشنغهاي وبانكوك ومانيلا التي جاءت في مراكز تالية في الترتيب العام. واكد المدير العام للموانئ ان سلطة موانئ دبي التي تسعى الى تحقيق هذا النجاح كانت تضع في مقدم اهتماماتها الموازنة بين الاستثمار الامثل لتطوير الخدمات التي تقدمها على النحو الافضل، وان تقدم هذه الخدمات لعملائها بأسعار ملائمة. وتوقع استمرار النمو بمعدل سبعة في المئة سنوياً قابلة للزيادة، مشيراً الى ان التكاليف المبدئية للاستثمار في مجال احلال المكننة في عمليات ساحات الحاويات يتم تعويضها بتحقيق سرعة اكبر في مناولة السفن وانخفاض تكاليف التشغيل من تحقيق معدل اعلى للكفاءة. وقال ان شحن الترانزيت يمثّل حالياً نحو 50 في المئة من حجم مناولة موانئ دبي للحاويات، ومن المتوقع ان يستمر في الارتفاع خلال السنة الجارية لزيادة الطلب على خدمات سفن التغذية لأسواق كبيرة مثل الهند وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. وأشار ابن سليم الى تزايد اهمية شحن الترانزيت في عالم الملاحة بعد ادخال الجيل الجديد من السفن العملاقة التي تحمل 6000 حاوية او اكثر، اذ ان الخطوط الملاحية تتوجه لخدمة ميناء او ميناءين فقط في كل منطقة من العالم، وسط توقعات بأن تشهد اعمال الاستيراد والتصدير زيادة مماثلة بسبب النمو في حجم بناء المشاريع الصناعية في دول مجلس التعاون. تخليص بلا اوراق ولم يقتصر النجاح الذي حققته موانئ دبي على ادارة جيدة للعمليات بل يشمل ايضاً استخدامها للتكنولوجيا اذ دشّنت جمارك وموانئ دبي قبل عامين نظام "مرسال" لتبادل المعلومات الكترونياً، والذي طوّره قسم المعلوماتية في الدائرة لاجراء التخليص الجمركي "المؤتمت" اي بلا اوراق، وهو ما وفّر الوقت والجهد على الجمارك والعملاء على حدّ سواء وبنسبة 30 في المئة في السنة التشغيلية الاولى. وقال الدكتور عبيد صقر بوست المدير العام لجمارك دبي ان النظام الذي أعدته جمارك دبي في اطار خطتها الشاملة نحو تحديث انظمتها الادارية والتقنية مستفيدة من التقدم العلمي الملحوظ الذي طرأ على وسائل التكنولوجيا يخدم القطاع التجاري وقطاع الشحن بشكل متميز، ويساهم بالتالي في رفع مستوى الخدمات المقدمة لاقتصاد الامارة. وتعتبر جمارك دبي الاولى بين جمارك دول مجلس التعاون الخليجي في تطبيق نظام تبادل المعلومات مع وكالات الشحن بهدف تحويل البضائع الى مخازن التجار، اذ بدأت الوكالات تتطور بدورها على مراحل متتابعة الى نظام جمركي آلي. وتشمل خدمات "مرسال" التخليص الالكتروني لبعض الشركات التي تحصل على امتيازات جمركية، ومعاملات تصاريح نقل البضائع من "دناتا" الى وكيل الشحن الجوي، ومعاملات المانيفست البحرية، وبوليصات الشحن البحرية والجوية والبرية، ومعاملات اذن التسليم سواء على المستوى البحري او الجوي، ومعاملات شهادات عدم ممانعة للسفن المؤجرة والبضائع المحزّمة، ومعاملات البيان الجمركي للعبور من الميناء نفسه ومعاملات التسهيلات المالية والحسابات الجمركية. ويخدم "مرسال" وكلاء الشحن البحري وعددهم 239 شركة، ووكلاء الشحن الجوي وعددهم 30 شركة، وشركات التخليص وعددها450، وشركات الاستيراد والتصدير وعددها 19500، وشركات ومصانع المنطقة الحرة بجبل علي وعددها 1250. وهناك حالياً 20 شركة شحن جوي من اصل 24 مرتبطة بخدمة "مرسال" الفورية لانجاز المعاملات الكترونياً. ومن المتوقع اشتراك اكثر من 80 شركة بحرية خلال السنة الجارية. وقال الدكتور بوست ان فكرة "مرسال" ولدت في مركز تقنية المعلومات بجمارك دبي لتكوين مجتمع شحن بري وبحري وجوي خال من المراجعين والاوراق تتعامل من خلاله جمارك دبي مع وكلاء الشحن وشركات التخليص والمستوردين والمصدّرين وشركات المنطقة الحرة الكترونياً بواسطة شبكة اتصالات آلية تكفل انجاز المعاملات آلياً من دون تأخير ويعتبر اقل كلفة واكثر دقة من النظام العادي اليدوي.