يذكّر العداء المغربي الفذ هشام الكروج بمسقط رأسه دائماً. ولد في مدينة بركان قبل 24 سنة، وكلما نقل رجليه على أرض المضمار يخيّل للمرء ان بركاناً يتفجر. سرعة مقننة ورشاقة فائقة وثقة مطلقة وعضلات مصقولة، وقامة ضامرة لا تعترف بالدهنيات والنشويات... لنقل أن رئتين واسعتين رُكّبتا على رجلين... والنتيجة، لقب ثانٍ في سباق 1500م ضمن بطولة العالم لألعاب القوى في مدينة اشبيلية الاسبانية. واجتمعت الظروف ليكون سباقاً مثالياً. المسافة متوسطة لا ينزعج فيها العداء من شدة الحرارة وارتفاع الرطوبة، والكروج موجود، ورؤيته متعة للنظر، مع منافسه الكيني الواعد نوا نجيني، ومع ثلاثة عدائين اسبان تمكنوا باقتدار من حجز بطاقاتهم في السباق النهائي هم كاتشو واستيفيز ودياز. لذلك غصت المدرّجات بحوالى 50 ألفاً من مواطنيهم ليشدوا أزرهم، على أمل أن يحقق أحدهم المفاجأة. لكن الكلمة الأولى والأخيرة كانت للكروج، وأغلب الظن انه طلب من مواطنه الشاب عادل الكوش ان يتدخل في الوقت المناسب، في حال اراد الفيلق الاسباني نصب المصيدة له لحجب الذهب عنه، أو في حال سعى نجيني الى جره الى "تكتيك" لا يألفه. وانتزع الكروج الصدارة بعد قليل من منتصف المسافة، وكي لا يخرج استيفيز "من المولد بلا حمص" هاجم بعد بداية اللفة الأخيرة ووضع نفسه بين الكروج ونجيني، فخاف الأخير وبذل جهداً كبيراً وغيّر ايقاعه في توقيت غير مناسب ابداً، ليتخطى الاسباني. بقي الكروج متصدراً ومرتاحاً ولم يقلق أحد راحته. وقبل نحو عشرين متراً من خط النهاية، قبّل الكروج أصابع كفه ثم كرر فعلته بأصابع الكف الأخرى، وأهدى القبلتين الى مواطنيه المغاربة وجمهور ملعب اشبيلية، وغاب عن باله أنه لو احتفظ بسرعته لكان بإمكانه تسجيل رقم قياسي عالمي جديد، وهو الذي يملك الرقم الحالي 00،26،3 دقيقة. ولو سجل الرقم الجديد لحصل على 100 ألف دولار تضاف الى فوزه بالذهبية ومكافأة 60 ألف دولار من الاتحاد الدولي. مدرسة ألعاب القوى المغربية اكثر من رائعة، افتتحها العدّاء الشهير سعيد عويطة، وأحسن المسؤولون استثمارها لأن ثمارها مستمرة، وهذا ما لم يفعله التونسيون عندما كان لديهم محمد القمودي ولا الجزائريون عندما كان نورالدين مرسلي في قمة عطائه.