يصعب او يكاد على من كان يسيح قديماً في لبنان التعرف، إذا عاد اليه للسياحة من جديد، الى الامكنة التي شحنته في السابق حنيناً وشوقاً. فالحرب اللبنانية التي اندلعت منتصف السبعينات لم تأتِ على اشياء كثيرة في هذا البلد السياحي فحسب بل نقلت اماكن السهر والمنتجعات على شاطىء بيروت، الى اماكن في شرق العاصمة وغربها. الأمر نفسه ينطبق على مناطق الاصطياف في الجبل مع تهجير اهلها الذين اقاموا في مناطق اخرى حلت محل صوفر وبحمدون وعاليه. منطقة المعاملتين، القريبة من مدينة جونية شمال بيروت، تبعد عن العاصمة نحو نصف ساعة. تطورت المنطقة سياحياً، غداة الحرب. وكانت بدأت تُعرف في الخمسينات مع انشاء كازينو لبنان فيها، في موقع يطل غرباً على خليج جونية، وهو من اجمل الخلجان اللبنانية، ويحوطه شرقاً مشهد جبلي ترصّعه اشجار الصنوبر. الحرب الاهلية حفزت بعض المستثمرين على الاتجاه نحو المنطقة لافتتاح فنادق ومطاعم بمحاذاة الشاطئ، الذي يبلغ طوله نحو كيلومترين، حتى اصبحت مقصداً للبنانيين نهاية كل اسبوع. وغداة الحرب ازدادت شهرة المنطقة وانشئت فيها مطاعم وفنادق بلغت 25 فندقاً ومئة مطعم ما جعلها مقصداً للسياحتين الداخلية والخارجية والسياح العرب خصوصاً. "واذا لم يكن الرواد عرباً كانوا رجال اعمال" بحسب صباح حبشي وهي موظفة في احد الفنادق . وهذا ما اكدته ايضاً السيدة ليلى مجدلاني المسؤولة في مؤسسة تدير ثمانية مطاعم في المعاملتين اذ قالت: "كل رواد المعاملتين عرب والاجانب قلة". أسباب مجيء العرب الى هذه المنطقة تكمن في انهم يأتون الى لبنان قاصدين البحر والطقس اللطيف والسهرات الفنية التي تحييها ليلياً المطاعم فتستمر الى الصباح في أجواء السمر والانس، في حين ان الاجانب يأتون في اغلب الاحيان في رحلات منظمة تسير وفق برنامج يتضمن زيارة كل الاماكن التراثية اللبنانية مع وقفات للغداء في مطاعم المنطقة التي تشملها جولاتهم. معظم السياح العرب سعوديون وكويتيون واردنيون ولا قاعدة محددة يخضع لها مجيئهم. بعضهم يأتي مجموعات وبعضهم يأتي اما في شكل افرادي واما ضمن مجموعات من الشباب، لا سيما من جالوا في دول المنطقة وزاروا لبنان واتخذوه، كما اتخذوا منطقة المعاملتين، مكاناً سنوياً لسياحتهم واصطيافهم بعدما راقت لهم واحبوا جوها المليء بالحيوية. الشاب السعودي صالح الصالح 25 عاماً يشيد بطيبة الشعب اللبناني. قال انه "شعب لطيف واكاد آكله من شدة حلاوته". صالح زاره اول مرة عام 1991 مع اصحابه، ودأب منذ ذلك الحين على زيارة لبنان كل صيف حيث يمضي نحو الشهر فيه "لاني احببت البلد وهو بلد متقدم وكل الاذواق متوافرة فيه اضافة الى طبيعته الخلابة ومعاملة ابنائه الطيبة". الزائر السعودي شاهد على التطور المتتابع الذي حصل في لبنان منذ زيارته الاولى عام 1991 بعدما كانت المناطق مهدمة. قال: "التطور واضح. كل سنة آتي فيها أرى اشياء جديدة". يضيف متابعاً وقد بات يعرف لبنان عن كثب وأماكن الترفيه فيه:"أحب زيارة برمانا والكسليك وفردان وبسكنتا. كل المطاعم فيها حلوة والجو مريح والطقس لطيف وشكل الضباب والهواء المنعش يجذبني جداً". وماذا يزعجك في لبنان؟ يقول: "لا شيء سوى زحمة السير". وصالح يستأجر في كل زيارة سيارة فارهة يجوب فيها المناطق التي عددها. اما السائح السعودي بندر الراشد 26 عاما فجاء مع اصحابه وهذه زيارته الرابعة. قال: "مضى عليّ أسبوع واذا طابت لي الاقامة زدتها عشرة ايام". ولمَ تختار لبنان؟ أجاب قائلاً: "اولاً، الجو جميل وثانياً، الناس محترمون ولم اشعر يوماً ان احداً ضايقني او نصب عليّ او استغلني، فكل شيء كويّس". بندر يمضي معظم اوقاته في برمانا وعلى البحر "وبعد الظهر نجوب المناطق بالسيارة. التي نعرفها نذهب اليها والتي لا نعرفها نسأل عنها". وهل ذهبتم الى بعلبك او الى مكان اثري؟. اجاب "ليس بعد. لكننا خططنا للذهاب اليها". ويجري مقارنة بين البلدان التي زارها ولبنان فيقول "لبنان افضل من اوروبا لناحية المصاريف والراحة اضافة الى اننا لا نشعر بالاغتراب. وثمة فرق ايضاً بينه وبين الدول العربية مثل سورية والبحرين وكذلك مصر التي ارى اماكنها محدودة ولا يمكننا الخروج في النهار من شدة الحر، اما هنا فبوسعك أن تذهب الى اي مكان تريده ساعة تشاء ليل نهار وكلها اماكن جميلة للراحة". وهل يزعجك شيء؟ اجاب "لا. لكن تعرفة ايجار السيارات مرتفعة وكذلك تعرفة بعض الفنادق". والسياحة في المعاملتين نشاط متكامل. والمنطقة تعتمد على الموسم الصيفي اذ تنخفض نسبة العمل فيها إلى 50 في المئة شتاءً حين تقتصر الحركة فيها على مواسم الاعياد "الا هذه السنة فهي ليست ككل السنوات والارقام لم تتوافق مع التقديرات وحساب الحقل لم يأتِ على حساب البيدر"، على ما قالت السيدة ليلى مجدلاني. واضافت "ان السياح هذه السنة كلهم عرب ولا اجانب بينهم، حتى سياح هذا العام ليسوا كسياح الاعوام السابقة حين كنا اذا جاءنا وفد كنّا نقول جاءت الرزقة، اما الآن فهم يساومون اكثر من اللبنانيين الذين اصبحوا اليوم افضل الزبائن" مشيرة الى ان "السياح الوافدين الى لبنان يأتون بعد قيامهم بسياحة في سورية حيث الاسعار ارخص. نحن لا نريد ان تكون اسعارنا غالية لكن كل شيء عندنا غال في حين ان في سورية كل شيء مدعوم". وهل هناك امكان لمنافستها؟. قالت: "ننافسها بالجودة والمعاملة الجيدة اضافة الى طبيعة بلدنا ومناظره، وهذا ليس موجوداً لدى الآخرين، لا سيما التصاق الجبل بالبحر". وهل اثر الاعتداء الاسرائيلي في حركة السياحة؟ اجابت: "نعم اثر. كانت هناك حجوزات الغي معظمها اضافة الى ان السياح الموسرين ذهبوا الى دول اخرى. كان الوضع قبل الضربة غريباً. وفي السنة الماضية، في مثل هذا الوقت، لم نكن نهدأ وكان الرواد يصلون الغداء بالعشاء اما هذه السنة فلدينا فتراة راحة اجبارية". في ظل هذه الحركة السياحية الضعيفة التقت "الحياة" عائلة سعودية مؤلفة من 35 فرداً، رجالاً ونساء واطفالاً، امام احد الفنادق كانت وصلت لتوها الى لبنان في حافلة آتية من سورية حيث امضت خمسة ايام وقبلها في الاردن 12 يوماً. واذ راح كبير العائلة الحاج كان معتمراً قبعة الحجاج ناصر الملحم الذي كان يزور لبنان قديماً، يشيد بتلك الايام "التي كانت شيئاً ممتازاً" وله فيها "ذكريات ممتازة حين كان الناس يرغبون السائح على المجيء مرة ثانية"، فانه لم يعرف مدينة عاليه، التي كان يصطاف فيها، حين مر فيها اذ "تغيرت البلد كثيراً واصبحت فيها بنايات كثيرة". لكن نجله خالد 42 عاماً، الذي قال ان اباه "اراد زيارة لبنان مجدداً لأنه يحن اليه"، يزور لبنان للمرة الاولى "لكننا كنا نعرف لبنان من خلال لبنانيين كانوا يعملون معنا في السعودية وهم اعطونا فكرة عن حسن معاملة اللبنانيين وعن الشعب قبل ان نأتي وهو من دون شك، سويسرا الشرق ودرسنا عنه في مدارسنا ما اوجد لدينا فكرة مسبقة عنه". وعن رحلتهم الى لبنان؟ قال "جئناً براً من السعودية لكن المشاهد الاكثر متعة كانت في لبنان حيث الطرق تصل الى اعلى الجبل وانت تتسلقها بالسيارة، وتدخل في السحاب والجو المنعش اضافة الى الطبيعة الرائعة، وحين كنا نقول في الحافلة ان هذا المنظر جميل كان السائق يقول لنا: سترون مناظر اجمل بعد". وعن الضربة الاسرائيلية الاخيرة اجاب "سمعنا بها، وبعض الناس خافوا من المجيء لكن نحن كنا مصرين على زيارة لبنان ولم نخف. واذا حصل شيء فيكون قضاء وقدراً". اما صباح حبشي فقالت: "الضربة اثرت كثيراً. فالفندق كان محجوزاً طول الصيف لكن معظم الحجوزات الغي"، مشيرة الى ان بعضها عاد "لكن ليس كما كنا نتوقع فالعمل تراجع بنسبة 50 في المئة"، والى ان "معظم الوافدين هذه الايام من رجال الاعمال والرياضيين". وعن الوضع السياحي عموماً، تجيب: "ليس كل شيء متوافر للسائح في المنطقة. فالفنادق لم تتطور ولا تكنولوجيا فيها والشاطئ ليس مجاناً وهناك غلاء والضريبة على كل شيء والسياح يقولون انهم لا يصرفون في كل دول العالم ما يصرفونه في لبنان، اضافة الى ان ما يصرفه سائح اليوم لا يوازي ربع ما كان يصرفه من قبل وهو يساوم على الحسومات الى آخر مبلغ مقارناً مع ما يدفعه في دول اخرى". واعتبرت ان "الذي يأتي اول مرة مهم جداً لناحية الاستفادة المادية منه اذ يجوب معظم المناطق اللبنانية وحين يأتي مرة ثانية يأتي فوراً الى المنطقة التي راقت له ولا يجرب منطقة زارها من قبل". واكدت ان "عودة الكازينو الى العمل افادت المنطقة سياحياً اذ لا سائح يأتي الا ويسهر فيه لا سيما عندما تقدم فيه برامج جيدة، اضافة الى النشاطات الفنية في مقاهي نهر الكلب ومغارة جعيتا اذ لا يأتي احد الا يزوها. والمجموعات تتخذ المنطقة نقطة انطلاق لها فتزور المناطق اللبنانية وتعود اليها مساء".