الاسكندرية، القاهرة - د ب أ - احدث اكتشاف عالم الآثار الفرنسي جان إيف إمبريور في مصر عبارة عن منظومة من سراديب دفن الموتى نحتت في الحجر بالقرب من مدينة الاسكندرية. وتشكل هذه السراديب جزءاً من مدينة لدفن الموتى ترجع إلى العصر الاغريقي طواها النسيان حقباً من الزمن، إلى أن ظهرت للنور اخيراً. استبدل إمبريور، المشهور بأبحاثه البحرية، بلباس الغطس الذي اعتاد عليه المطرقة والازميل لإماطة اللثام عن هذه المقابر التي "لها اهمية بالغة بالنسبة للتراث الحضاري العالمي" على حدّ قوله. وكان مهندسو طرق اكتشفوا هذه السراديب بالصدفة قبل ثلاثة أعوام، أثناء بناء طريق سريع يمتد من القاهرة إلى منطقة أحواض السفن بغرب الاسكندرية. وكان كناية عن درج يفضي إلى مقبرة لدفن الموتى من سبعة طوابق تضم حوالى 200 تجويف. وكل تجويف عبارة عن كوة نحتها الاغريق أثناء حكمهم الاسكندرية، لوضع التوابيت الحجرية التي تضم جثث موتاهم. ونجح عمال الآثار بالفعل في كشف سراديب تمتد 40 متراً في الصخر. وقد جاء ذكرها بهذا الموقع في مخطوطات عالم الجغرافيا الاغريقي سترابو الذي عاش خلال الفترة من العام 63 قبل الميلاد إلى 23 بعد الميلاد. وكان عالم الآثار الفرنسي إمبريور 47 عاماً قد حقق شهرة عالمية واسعة بعد اكتشافه أطلال أساسات منارة الاسكندرية القديمة في قاع منطقة الميناء. وهو يقول أنه مقتنع بأن تاريخ مدينة الموتى يعود إلى تأسيس مدينة الاسكندرية نفسها على يد الاسكندر الاكبر في العام 331 قبل الميلاد. ويوضح: "ما لم تكن من عصر الجيل الاول فإنها تعود بالتأكيد إلى الجيل الثاني". ويؤسس حجته تلك على خصائص موجودات تلك المقابر والتي تماثل ما يعود إلى العصر البطليمي من عام 323 قبل الميلاد إلى 30 بعد الميلاد. وأضاف أن هذه القبور احتوت على مقتنيات منها تمثال من الجص لرأس الالهة الاغريقية "ميدوسا" التي يخرج من رأسها أفاع بدلاً من الشعر، وتتسم بوجه قبيح لدرجة يتحول من ينظر اليه إلى قطعة من الحجر. ويهدف وضع مثل هذا التمثال إلى تخويف لصوص القبور حماية لها. وتعود بعض المقتنيات الاخرى إلى العصر الروماني التالي، وبعضها مزخرف بصور لأبطال الاساطير الاغريقية مثل "إيروس"، إله الحب و"ثاناتوس"، إله الموت. ونقشت أسماء الموتى على الشكل المثلث الذي يعلو كل كوة وإلى جانب اسم المتوفى نقشت عموماً عبارة تعكس مشاعر ذويه ومنها مثلاً: "وداعا دايونيسيا أيتها الزوجة الرائعة". ويقول العالم الفرنسي أن الموتى المدفونون في هذه المقبرة ينتمون إلى الطبقة المتوسطة في العصر الاغريقي والتي كان ابناؤها قادرين على تحمّل نفقات تجميل مقابرهم بهذه الأبهة. واكتشف إمبريور أكثر من مائة هيكل عظمي حفظت من التحلل بسبب دفنها في الحجر. ويسعى العالم الفرنسي حالياً إلى تحليل عينات من أحماضها الامينية دي. ان. إيه لكشف النقاب عن جوانب مجهولة حتى الآن من حياة الاغريق. ويمكن لعلماء الاثار أيضاً أن يحددوا، عن طريق فحص هذه الهياكل العظمية، ما إذا كان الاغريق طوال القامة أم قصاراً، وإذا كانت المنية أصابتهم في الشباب أم الكبر الخ… ويقدر عالم الاثار الفرنسي عدد سكان الاسكندرية القديمة بنحو 000،400 نسمة في أوج عظمتها، أي أكثر بكثير من تعداد سكان روما عاصمة الامبراطورية الرومانية آنذاك.ويعتقد أن متوسط أعمار السكان لم يتعد الثلاثين عاماً لذلك انتعشت صناعة دفن الموتى. وبهدف تحقيق الاستغلال الأمثل للمساحات المتاحة، اعتاد متعهدو دفن الموتى إعادة فتح المقابر وإزاحة قدامى الموتى جانباً، لدفن الجدد منهم. وقد اكتشف فريق إمبريور عشرة هياكل عظمية داخل كوة واحدة من غرف الدفن. وقد انتهى إمبريور حتى الآن من أعمال التنقيب في نحو 20 في المئة فقط من منطقة السراديب التي تمتد 200 متراً، وهو مضطر إلى الانتهاء من عمله بأسرع وقت ممكن، فالطريق السريع سوف يمر بهذه المنطقة رغم عدم تحديد توقيت معين لبناء هذا القطاع حتى الآن. وقد وافقت هيئة الطرق المصرية على بناء جسر منخفض فوق منطقة المقابر الأثرية المكتشفة حفاظاً عليها.