قصد كثير من الاوروبيين اسطنبول لمشاهدة الكسوف ففاجأتهم الطبيعة بمظهر آخر من مظاهرها الخارقة والفتاكة في آن. اهتزت الارض بهم في الساعات الاولى من فجر امس لمدة 45 ثانية كانت كفيلة بدفع آلاف من نومهم حفاة الى الشوارع، لكن الزلزال لم يمهل آلافاً آخرين فدفنتهم تحت انقاض منازلهم في مناطق شاسعة تمتد من اسطنبول غرباً الى بلدات لا تبعد سوى عشرات الكيلومترات عن العاصمة انقرة شرقاً. راجع ص 8 وحتى ساعة متقدمة من ليل امس، واصلت حصيلة الضحايا ارتفاعها المطرد فناهزت 1200 قتيل وستة آلاف جريح، اضافة الى آلاف المشردين الذين باتوا من غير مأوى. ووقفت منطقة الشرق الاوسط كما العالم في حال ذهول في مواجهة الكارثة، خصوصاً بعدما اخفق العلماء في التنبؤ بقدومها، ما طرح سلسلة تساؤلات: هل يمتد زلزال تركيا الى المنطقة العربية وما هي الاجراءات الواجب اتباعها في مثل هذه الظروف؟ خصوصاً ان تركيا تقع في ما يصفه العلماء ب "حزام زلازل" يمتد شرقاً الى الصين ويتصل بأخطر "حزام زلازل" آخر في المنطقة العربية يبدأ من خليج العقبة عبر شمال غربي البحر الميت ومنخفض الأردن ويخترق وسط لبنان لينتهي في سورية. العالم الذي أفاق على انباء الكارثة، سارع الى تقديم الدعم الى الاتراك. فوصلت فرق متخصصة من فرنسا والمانيا واليونان وروسيا ودول اخرى، فيما عرضت الولاياتالمتحدة المساعدة على لسان الرئيس بيل كلينتون ووزير الطاقة الاميركي بيل ريتشاردسون الذي صادف وجوده في اسطنبول. وتركز الزلزال الذي بلغت قوته حسب الاتراك 6.7 درجة على مقياس ريختر المفتوح، في بلدة ازميت الصناعية المطلة على بحر مرمرة فألحق اضراراً بمصانع عدد من الشركات العالمية التي تتخذ منها مقراً. لكن المراكز الاميركية قدرت قوته ب 7.8 على المقياس نفسه، ما جعله احد اقوى الزلازل في العالم خلال الاعوام العشرين الماضية. واقام سلاح الجو التركي جسراً جوياً يبن انقرة وثلاث مطارات في غرب البلاد لنقل الامدادات الطبية والغذائية والخيم ومستلزمات اخرى للمنكوبين. وطاولت الهزة قاعدة غولجوك البحرية قرب ازميت حيث دفن حوالي 350 عسكرياً تحت الانقاض. لكن الحركة في مطار اسطنبول لم تتأثر شأنها شأن حركة السفن في مضيق البوسفور المطل على بحر مرمرة. وتفقد رئيس الوزراء التركي بولند اجاويد المنطقة وبدا متجهماً لما شاهده من دمار، وقال : "انها الكارثة الطبيعية الاكبر التي شهدتها في حياتي. فليكن الله في عون دولتنا وشعبنا". العرب والاحتياطات ومن المؤلم ان تنتهي أعوام التسعينات التي اعتبرتها الأممالمتحدة "عقد الزلازل" بكارثة كان من الممكن تخفيف آثارها لو اتُبعت الاستشارات العلمية. ونبّه الى ذلك عالم الزلازل العربي الدكتور عمرو النشائي رئيس قسم الزلازل في جامعة "امبريال كوليدج" في لندن. وكان النشائي حذّر من خطر الركون الى الخمود الزلزالي النسبي في منطقة الشرق الأوسط. فالهزة في تركيا تقع على ثاني أخطر حزام للزلازل في العالم بعد "دائرة النار" في المحيط الهادىء. وكانت المجلة العلمية البريطانية "نيو ساينتيست" حذّرت من آثار وقوع زلزال في بيروت بسبب النشاط العمراني الكبير فيها خلال السنوات الأخيرة. فحجم الضحايا لا يقرره مقياس ريختر وحده، بل وقوع الزلزال في منطقة مكتظة بالسكان وضعف الرقابة الحكومية على الإنشاءات. وحدث زلزال تركيا، كما في كل انحاء العالم، نتيجة ارتطام الصفائح الأرضية الناجم عن زحف القارات. هذا الزحف مستمر مند انقسم العالم الذي كان قبل ملايين السنين قارة واحدة الى قارات عدة. الكتلة الأرضية لشبه الجزيرة العربية تزحف بمعدل سنتيمترين في العام تقريباً، متجهة نحو الهضبة الإيرانية. تنشأ عن هذا الزحف اختلالات ارضية أو ما يسمى فوالق تشكّل المواقع المحتملة لضربة الزلزال. وهناك فوالق عدة في المنطقة العربية مرشّحة للانفجار. والسؤال المطروح هو: هل ستدفع تحركات القشرة الأرضية في تركيا الى ردود أفعال في القشرة الأرضية التي تزحمها من الجنوب؟ ويهدد اتساع العمران وزيادة الرقع السكنية والاتجاه الى أنماط اقتصادية من المساكن الكثيفة بمضاعفة عدد ضحايا الزلازل. اذ ان حجم الكارثة الزلزالية لا يقرره مقياس ريختر فحسب بل تعريضها كالبنايات للخطر وانعدام الوعي الزلازالي لدى السكان. ونبّه الدكتور النشائي الى ان أهم ما ينبغي ان يقوم به الشخص لدى وقوع الزلزال هو الا يصاب بالهلع وان لا يسارع الى الهرب. وينصح النشائي بالاختباء لحظة وقوع الزلزال تحت منضدة خشبية متينة لا تحتوي على زجاج - أو الوقوف تحت إطار باب الغرفة أو الشقة. ويتابع: "لا تشعل ناراً، ولا حتى سيجارة، ولا تفتح صنبور الغاز أو الماء أو الكهرباء إطلاقاً. وإذا كانت مفتوحة لحظة وقوع الزلزال، سارع الى إغلاقها. ولا تهرع الى السلالم، لأنها مكان خطر يمكن ان يتحوّل الى فخ مميت. ولا تستخدم المصعد إطلاقاً. وإذا كنت في طابق علوي، لا تهرع الى أسفل لأنك يمكن ان تُدفن تحت الطوابق المنهارة. ولا تهرب الى وسط الشارع إذا كان محاطاً بالعمارات - بل سارع الى الاختباء تحت إطار أبواب بناية أو مداخلها".