عام 1970، للذاكرة، كتب طلال حيدر بالإشتراك مع ناديا تويني مغناة مسرحية بعنوان "فرمان" جرى تقديمها في بعلبك ووضع ألحانها زكي ناصيف وغنّت فيها مجدلا وجوزف عازار وجوزف ناصيف وعصام رجّي. كان ولم يزل، يعلو ويهبط، يصيب ويخطئ الإصابة، كأي فنان إحساسه أقوى من منطقه وعاطفته تطغى على عقله. لكنه أفاد من تجاربه، المخفقة والناجحة على السواء، وأطلّ من جديد في المكان الأثير إلى قلبه، بعلبك، شاعراً يحمل الى المسرح الغنائي أصداء قوية من النكهة الرحبانية، موشومة بأسلوبه الشغوف، ناهيك بالشعر في لحظات خارقة كالنيازك. اقتبس طلال حيدر "جعجعة بلا طحين" عن شكسبير ووضعها في قالب يتأرجح بين ألف ليلة وليلة وقصص الكوميديا ديل آرثي حيث تلعب المصادفات دورها "الفاضح" في ترسيم مسارات البشر، وكثيراً ما تكون تلك المصادفات من عمل أيديهم. "إمارة من هالزّمان" تردّنا إلى القرن الثامن عشر حيث كان الولاة والأمراء يحكمون الجبل اللبناني، وكانوا فيه الكلمة الفصل ومهماز القيادة. وفي تلك الإمارة تبدأ الحكاية بعد النصر في معركة ما، حين يعود العسكر على هوادج الهزج ليحتفلوا ويفرحوا. الأمير متعب، وهو اسم على مسمى، يخطط لمؤامرة هدفها "لخبطة" عرس ساري، راعي النشامة، وعبير ابنة الوالي خطار. يجلب احدى محظياته وتدعى حبّابة وواحداً من رجاله ويزرعهما على شرفة عبير متعانقين، ثم يدعو المير رحّال وساري لرؤية المشهد "الفضيحة" ... وتقوم القيامة. عبدالحليم كركلا، مع ابنه إيفان وابنته أليسار و"جيش" من الملحنين والمطربين والممثلين مثل رفعت طربيه وإيلي شويري وغسان صليبا وجوزف عازار وجوزف ناصيف وكارول سماحة وغيرهم، خصوصاً أسعد وفهمان من فرقة ابو سليم الطبل، اجتمعوا ليؤلفوا اول مغناة موسيقية - تمثيلية من نوعها. ووضع المسرحي الإيطالي الكبير فرنكو زميريللي تصميم الديكور، كما ارسل فريقاً لتنفيذه. وهو ديكور انضوائي يندغم وحجارة القلعة فيبدو جزءاً لا يتجزأ من تكوينها العام. وشارك في وضع ألحان الأغاني والحوارات الغنائية كل من مارسيل خليفة وزكي ناصيف وشربل روحانا وتوفيق الباشا وإيلي شويري. ويقول طلال حيدر ل"الحياة" ان الحقل البصري الهائل في بعلبك زرع الرهبة في قلبه "بعد عشرين سنة من مجد عاصي الرحباني وصوت فيروز وفي غياب فيلمون وهبي اصابني الخوف ولكن معه جاء الفرح، لأننا يجب ألا نستسلم للغياب مهما كان درامياً وشرساً، فالفجر أيضاً رائع فوق التلال الشاهقة المطلة على بعلبك، ولي الشرف أن أوقّع واحداً من خيوط ذلك الفجر، خصوصاً انه يعني الكثير لقيامة وطني لبنان". حقق راقصو كركلا اندماجاً مذهلاً في اول عمل تمثيلي مشترك لهم، وأصاب غسان صليبا مهجة الجمهور بصوته الحار وطلّته الوسيمة، كما قطفت كارول سماحة عواصف التصفيق لما تتمتع به من رشاقة وقوة حضور وصوت واعد. وتميّز بين الممثلين رفعت طربيه في دور المير رحّال، إذ فاجأنا أنه أيضاً يغني. بدأت "إمارة من هالزّمان" بحفلة خاصة لأهالي بعلبك عشية أربعاء الكسوف وتستمر حتى نهاية الأسبوع الحالي. وكان الإقبال البعلبكي فائضاً فوق العائدة، ربما لأن بلدية بعلبك أخذت على عاتقها تنظيم حفلة الأهالي للمرة الأولى، ما أدى الى تحسّر كثيرين على "أيام اللجنة".