لفترة قريبة، كنت أشعر ان الموت أمر يخصّ الآخرين فقط، وانه لا يمكن ان يقترب من دائرة الاشخاص المقربين. لم تكن "عناية" من المقربين كثيراً، لكنها كانت أقرب الجيران لجهة المسافة والعلاقة، لم يخطر في بالي ابداً انه قد يكون لموتها وحياتها تأثير ما، وأن شعوراً بالحزن قد يراودني إذا أصابها شيء أو فارقت الحياة!. كنت أراها بشكل يومي، كالاشياء الكثيرة التي تمرّ في النهار، وكانت بالنسبة اليّ ذلك الشيء المتحرك الذي كنت أشعر تجاهه باللاشعور. إستيقظت صباحاً على منادي المسجد ينعى "عناية"!، فلم أصدّق ما سمعت، إتجهت صوب نافذتي المقابلة لبيتها، جلت بنظري، باحثاً عنها بين الشجيرات الكثيفة المحيطة ونباتات الحديقة، كان الصمت سيداً، خواء المكان يوحي بأن ما سمعته فعلاً حصل، وأنها ماتت! شعرت بمزيج من الدهشة والمرارة، دخلت أرى الأهل، وجدتهم يحبسون دموعاً في المآقي يتساءلون، فكرت "بعناية" وأولادها الثلاثة: "شادي"، "هادي" و"آلاء"، قررت أن أحزن على الأولاد فلم أشارك في الجنازة، مطمئناً إلى أنها لن تستيقظ لتحاسب من حضر ومن لم يحضر، لتحصي أعداد المعزين وتراقب من جاء منهم بأكاليل الورد!. هربت الى البحر، مفضلاً قضاء النهار هناك على المشي في جنازتها ومشاهدة زوجها الذي شعرت بأني لن أتمكن من رؤيته. مرّ النهار، سبحت، غطست، التقطت الأصداف، لم تفارق صورتها مخيلتي، كلما نظرت الى حجر رأيت وجهها فيه رأيتها تتهادى في الأعشاب المتمايلة تحت الماء بأسنانها المتكسرة الملتمعة. لم يصدق محمود ان موتها يعني بأنها لن تعود الى المنزل في المساء، تقبّل العزاء في منزل أهله، وقفل عائداً الى بيته منتصف الليل، على السطيحة الصغيرة، لكنه لم يجدها. صودف مروري، كان يجلس وحيداً، شعرت بانه من المعيب ألا أتوقف، ترجلت من سيارتي، صافحته - عانقني - وأجهش بالبكاء. بيروت - مروان حمام