تطالعنا الصحف العربية بين الفينة والفينة بمقالات تدور حول جماعات الضغط العربية في المهجر. وقد ازدادت هذه المقالات في الآونة الاخيرة وهي تعكس بذلك اهتماماً متزايداً من قبل المسؤولين والمعنيين في الوطن العربي عن دور هذه الجماعات والتساؤل عن نجاعة ومدى هذا الدور من ناحية، والصعوبات والعقبات التي تواجهها وامكانية تدعيمها ومساندتها من ناحية ثانية. ولا شك ان هذه الومضات لم تأت عبثاً، فقد ادرك الكثيرون كم لجماعات الضغط من اهمية في خدمة قضاياها المحلية والوطنية والقومية، بالاضافة الى النجاح، ولو النسبي، الذي بدأت جماعات الضغط العربية تحققه في مواقع اقامتها. وايماناً بمدى اهمية دور العرب والمسلمين المغتربين في مواجهة تشويه صورتهم التي تقوم بها الاوساط المؤيدة لاسرائيل في الغرب وفي تجاوز هذه المهمة الى الانخراط والتأثير والمشاركة في صنع القرار السياسي للبلد الذي يعيشون فيه ويحملون جنسيته، رأيت انه لا بد من الحديث عن هذا الدور من خلال موقعي ومتابعتي الحثيثة لهذا الشأن واطلاعي على معظم الامور المتعلقة به سلباً وايجاباً، مع محاولة التركيز على اهم الجوانب التي تعتبر حيوية ومركزية في تيسير وتسهيل ونجاعة الأداء. ومع التنويه ايضا الى بروز دور المغتربين العرب في التأثير على صناعة القرار الاميركي في القضايا التي تخص بلادهم. وقد اصبح يطلب من المغتربين القيام بهذا الدور الى جانب دورهم التمويلي التقليدي والذي كان السمة الأساسية لفوائد الاغتراب من حيث دعمهم اقتصاد بلادهم من خلال تحويلاتهم المالية الى عائلاتهم. كثيراً ما يتم التساؤل لماذا لم يصل اللوبي العربي في اميركا الى ما وصل اليه اللوبي اليهودي من مكانة وقوة وانجازات؟ وهل يمكن للوبي العربي في يوم من الايام ان يصبح في المكانة نفسها؟ والجواب عن هذا السؤال متشعب وله اوجه عديدة. فبمقارنة سريعة بين اللوبي اليهودي واللوبي العربي في الولاياتالمتحدة الاميركية تتضح لنا حقائق لا بد من الاشارة اليها، فعدد اليهود في اميركا حوالى ثمانية ملايين بينما عدد العرب حوالى ثلاثة ملايين، وعدد المسلمين من خمسة الى ستة ملايين واكثرهم ليسوا عرباً وقلة منهم تهتم بالأمور التي يعتبرها العرب أساساً لالتزامهم. ووجود اليهودي في اميركا قديم متجذر يعود بتاريخ بعضه الى بداية الهجرة الاوروبية اليها، واصبحوا بالتالي جزءاً من الشريحة الاميركية التقليدية. بينما تشير الاحصائيات الى ان 40 في المئة من العرب المهاجرين الى اميركا قد قدموا اليها بعد سنة 1980. وبسبب حداثة وجود الجالية العربية في اميركا لم تستطع بعد التأكد من نفسها ولم تتمتع بالثقة المطلوبة لممارسة حقوقها والاشتراك والمشاركة في كثير من القضايا الحيوية التي تهمها في هذا المجتمع الاميركي والتي تسمح لها القوانين الاميركية بالتمتع بها كاملة. ولم تدرك بعد الفوارق بين آلية وكيفية التأثير في صناعة القرار الاميركي عنها في المجتمعات التي هاجرت منها. ولهذا بقيت الى حد كبير حذرة تخاف من دفع ثمن ظهورها او اعتراضها. يضاف الى ذلك ضعف ثقتها بمقدرة منظماتها في الدفاع عنها وخدمتها. كذلك لا بد من الاشارة الى ان نشوء المنظمات اليهودية والصهيونية يعود الى زمن بعيد قبل قيام اسرائيل. ولمعرفة كم عمر هذه المؤسسات نشير الى ان ADL رابطة محاربة التمييز قد تأسست سنة 1913 وان احدثها، وهي "ايباك" قد تأسس سنة 1954، بينما اقدم المنظمات العربية وهي جمعية الخريجين العرب من الجامعات الاميركية AAUG قد تأسس سنة 1967، واللجنة العربية الاميركية لمكافحة التمييز ADC سنة 1980، اي منذ تسع عشرة سنة فقط. من ناحية اخرى تجدر الاشارة ايضا الى ان العمل الصهيوني مرتبط باليهودية العالمية واسرائيل والتنسيق بين هذه الاطراف تنسيق دائم وكامل وعضوي يشكل وحدة مترابطة تخطط وتنفذ بآلية متكاملة، بينما يعمل معظم المنظمات العربية والعربية الاميركية في اميركا بمعزل شبه تام عن المعنيين بالأمر في أوطانها لأسباب عديدة لعل اهمها التقليل من اهمية هذه المنظمات، والاعتقاد بعدم وجود دور لها في تقرير مصائر الأمة العربية، ومركزية القرار العربي. ولا بد من التنويه الى ان الميزانية السنوية لكل من المنظمات اليهودية في اميركا تراوح بين 20 الى 60 مليون دولار اميركي، الا انه بالنظر الى النتائج التي تجنيها اسرائيل من مساعدات تبلغ الملايين فان هذا المبلغ يعتبر استثماراً يعود بالمنافع الهائلة سياسياً واقتصادياً. وهذا يقودني الى امر غاية في الأهمية، وطالما تطرقت اليه في اكثر من مرة، وهو ان القيادات اليهودية في اميركا تنسق يومياً مع المسؤولين في اسرائيل، كما تتم استشارة هذه القيادات بشكل متواصل من قبل المسؤولين الاسرائيليين. وحال وصول اي من هؤلاء المسؤولين الى اميركا يقومون فوراً بالاجتماع بهذه القيادات للتشاور والتنسيق، وعند انتهاء زيارتهم يجتمعون اليهم للتشاور والتنسيق ايضا. بينما، وللأسف لا يتم الاجتماع او التشاور مع قيادات المنظمات العربية في اميركا الا من قبل عدد نادر جداً من الزعماء او المسؤولين العرب اثناء زياراتهم للولايات المتحدة الاميركية. على العكس فقد لاحظنا ان عدداً من المسؤولين العرب يجتمعون اثناء زيارتهم لاميركا بالقيادات اليهودية بدل اجتماعهم بالقيادات العربية. وهكذا يتصرف المسؤولون العرب وكأن المدخل الى صنع القرار في الولاياتالمتحدة يمر من خلال المنظمات الصهيونية، مما يعزز من شأن هذه المنظمات ويهمش وينتقص من شأن الجمعيات العربية، وهذا أمر مؤسف حقاً. اضف الى ذلك عدد السفراء العرب في واشنطن الذين يحضرون المؤتمرات الصهيونية ويتغيبون عن المؤتمرات العربية - الاميركية. من جهة اخرى فإن التغطية الاعلامية لأنشطة ودور جماعات الضغط العربية تكاد تكون معدومة في الاعلام العربي، عكس ما هي عليه في الاعلام الاميركي مما قد يبرر تصرف القادة العرب الذين لا يدركون هذا الدور فلقد نضج عمل الجمعيات العربية وفرضت احترامها واصبحت تستشار من قبل الخارجية الاميركية والبيت الابيض في الامور التي تتعلق بها وكل هذا غائب تماماً في الاعلام العربي. بالاضافة الى ذلك لا بد من الاشارة الى ان الاعلام العربي في الولاياتالمتحدة الاميركية هو الآخر غائب تماماً، وان نشط اعلام بعض الدول العربية فيكون مردوده محدد ومحصور بالدولة المعنية وحدها ولا علاقة له بالقضايا العربية الأساسية ككل. ان اهمية التنسيق والتشاور بين قيادات المنظمات العربية والمسؤولين العرب ان كان اثناء زياراتهم لاميركا او بشكل متواصل في اوطانهم تعطي ثمارها الكبيرة للطرفين، فهي من ناحية ترسخ قيمة المنظمات العربية وتعطيها صدقية في ساحتها وتعزز من مكانتها وثقتها بنفسها، وتمنحها ارضية قوية لدعم وخدمة قضاياها المحلية منها والوطنية والقومية. وهي تسهم من ناحية ثانية اسهاماً كبيراً في التأثير على صناعة القرار السياسي الاميركي وتكون بذلك قد ساعدت المسؤولين العرب مساعدة كبيرة في تحقيق ما يصبون اليه لخدمة القضايا الوطنية السياسية منها والاقتصادية. هذا بعض اسباب تعثر مسيرة جماعات الضغط العربية في اميركا، وبعض الصعوبات التي تتعرض لها. ولكنها وللحق حفرت خطوات مهمة جداً على رغم هذه الصعوبات وعلى رغم التحديات الكبرى التي تعرضت وتتعرض لها في ساحة عملها. لقد استطاعت هذه الجماعات بالاصرار والتنظيم والمتابعة والايمان بعدالة قضاياها وبما يتمتع به المجتمع الاميركي من قوانين وحرية ان تسهم في محو جزء لا بأس به من الصورة القاتمة التي كانت ملصقة بالعرب والمسلمين وعلى مر عقود طويلة. واستطاعت ان تنتزع الانتباه اليها وفرضت على العديد من المسؤولين الاميركيين والجهات الرسمية الاميركية حقيقة التشاور معها واخذها بعين الاعتبار وان يحسب لها حساب في الانتخابات والترشيحات وحتى التمويل. فلقد كانت الاموال العربية، منذ عقد تقريباً، تعاد الى اصحابها اثناء الحملات الانتخابية، وترفض لقاء الاغراءات والضغوطات اليهودية، اما الآن فقد صارت المساعدات العربية ليست مقبولة فحسب بل منشودة. وبعد ان كانت تخلو المؤتمرات والمهرجانات والندوات العربية من حضور اي مسؤول اميركي، وصل بنا المطاف الى حضور الرئيس الاميركي نفسه بعض هذه المؤتمرات وحضور عدد لا بأس به من اعضاء ومسؤولي الادارة الاميركية ان كان من الكونغرس او البيت الابيض او الخارجية كثيراً من المؤتمرات والأنشطة العربية. منذ عقود طويلة لم يكن للجالية العربية او الاسلامية في اميركا من موقع او اهمية لا في القضايا التي تهمها محلياً ولا في قضاياها الوطنية والقومية. الآن تشهد هذه الجالية تحولاً مهماً. فقد غدا المسؤولون في الخارجية الاميركية والبيت الابيض يجتمعون ويستشيرون ويناقشون القيادات العربية والاسلامية في الولاياتالمتحدة الاميركية في كثير من القضايا التي تهم هاتين الجاليتين. صحيح ان الاستشارة لا تعني ضرورة الأخذ بالرأي ولكنها تعني اعترافاً بالوجود واهمية لم يكن يعترف بها من قبل. وصار مرشحو الانتخابات الاميركية يدركون اهمية الصوت العربي ويبدون اهتماماً ملحوظاً بأهمية الاجتماع بقيادات منظماته. فعلى سبيل المثال قام مرشح الرئاسة جورج بوش الابن بالاجتماع بقيادات فرع اللجنة الاميركية العربية لمكافحة التمييز في تكساس على رغم الضغوطات التي مارسها اللوبي اليهودي للحيلولة دون ذلك. وهذا كله بفضل المنجزات المهمة التي حققتها المنظمات العربية والاسلامية في الساحة الاميركية. اضف الى ذلك ان بعض العرب الاميركيين بدأوا يتبوأون مناصب مهمة في البيت الابيض والخارجية وغيرهما من الجهات الرسمية المهمة في اميركا، مقارنة بزمن غابر لم يكن يحلم العربي بهذه المناصب على الاطلاق. وحتى وان كانت قضية سحب تعيين سلام المرياطي في للجنة المعتمدة من الكونغرس لمكافحة الارهاب نزولاً عند ضغط المجموعات الصهيونية تعتبر صفعة الا انها مؤشر مهم، اذ ان يفكر الكونغرس بعربي اميركي لهذا المنصب لم يكن ممكناً لعشر سنوات خلت. كما اننا نجحنا في قضايا كثيرة مورست ضد العرب اضطهاداً وتمييزاً مقارنة بزمن لم يكن يجرؤ العربي على رفع صوته هنا. واستطعنا تقويم بعض الاعوجاج في الدعاية والاعلام ومنع بعض العروض المسيئة للعرب والمسلمين. وما لم ننجح بوقفه استطعنا توصيل صوتنا وأرسلنا رسالة واضحة وقوية الى مصادر الاساءة بأن هناك من لا يقبل الاساءة وسوف يواصل الجهود للقضاء عليها. هذا الحضور العربي هو بالفعل الخطوات المهمة في الطريق الصحيح. وعلى رغم طول الدرب وصعوبة المهمة الا ان جماعات الضغط العربي تستحق ان تأخذ حيزاً مهماً في جدول اهتمامات المسؤولين العرب وفي اذهان الشعوب العربية، اذ هناك فرصة حقيقية في حال نالت تلك المنظمات الدعم والتنسيق المطلوبين ان يصبح تأثيرها اكبر بكثير مما يعتقده البعض. ان ما تتفوق به جماعات الضغط الصهيوني من حيث العدد والتمويل وتاريخ الوجود يمكن التعويض عنه بالتفاف عربي وتأييد ودعم لجماعات الضغط العربية. اما في غياب موقف عربي موحد والتزام بعمل جاد في الولاياتالمتحدة فستبقى المنظمات العربية الاميركية تقوم بواجبها متحسرة على ما كان يمكن ان يكون وعلى الفرص الضائعة. * رئيسة اللجنة العربية الاميركية لمكافحة التمييز.