سأل لاري كنج في برنامجه في محطة "سي. إن. إن.".. اكثر من ممثل اميركي عن ظاهرة العنف.. وهل صحيح ان من اسبابها السينما والتلفزيون بكل ما يقدمه التلفزيون من مسلسلات العنف. وكانت الاجابة تكاد تكون واحدة. لقد انكروا جميعاً ان تكون السينما هي سبب العنف، كما انكر القط انه التهم قطعة السمك من فوق المائدة. والحق ان القط لم يكن يكذب، ان عشقه للسمك قانون من قوانين حياته، كما ان ذاكرته الملساء لا تعي جيداً انه تجاوز القانون واختراقه بأكله للسمك ....... ان نظرة متأملة على نسيج المجتمع في اميركا، وادبيات هذا المجتمع كافية لتأكيد ان العنف جزء من نسيج الثقافة والتاريخ. لقد اكتشف المهاجرون الاوائل الذين نزحوا من اوروبا الى الارض الجديدة اميركا ان هناك اكثر من تحد يواجههم. كان اول هذه التحديات ان القارة ليست خلوا من السكان، هناك قبائل من الهنود الحمر يحتلون معظم ارضها. وكانت هذه القبائل فيما بينها متصارعة متضاربة، ونجح المهاجرون البيض من اوروبا ان يوقعوا قبائل الهنود الحمر، وان يثيروا بعضهم ضد البعض الآخر. وبدأت محاولات التنظيف العرقي للقارة. نشب الصراع بين قبائل الهنود الحمر وهؤلاء النازحون نحو أرض الاحلام والآمال. كان الصراع محسوماً من البداية. فقد كان يجري بين سهم بدائي وبنادق ومدافع هي أحدث ما انتجته مصانع الغرب الاوروبي. ولم يكن هناك مجال للتردد. فاما ان تسرع انت بالقتل او يسرع خصمك به. انت مقتول او قاتل.. وعليك ان تختار بينهما ما يعجبك. ووسط هذا الجو المشحون لم يعد استعمال السلاح والتدريب عليه ترفاً، انما صار ضرورة ملحة.. وواجباً من اول واجبات حفظ النفس. وبرز على مسرح الواقع، بطل جديد هو راعي البقر الذي يستطيع ان يسحب مسدسه ويطلق نيرانه ويعيد المسدس الى غمده في اقل من لمح البصر. صار هذا الراعي هو البطل الجديد. ونجح هذا البطل الجديد ان يغزو الغرب الاميركي ويطهره من الهنود. كما نجح ان يؤسس مملكته التي قامت الاسلحة النارية بحراستها جيدا. .............. تخلل العنف نسيج النشأة الاولى للمجتمع الاميركي، وكانت الحرب الاهلية هي الاخرى عنف منظم نشب بسبب انقسام المهاجرين في مسألة العبيد كان الشمال يريد تحريرهم وكان الجنوب يصر على بقائهم عبيداً. وانتصر الشمال فألغى نظام العبيد، ولكن الغاءه لم يمنع اضطهاد البيض العنصريين للسود بعد ذلك على امتداد عقود. وهو اضطهاد مازال باقياً وان خفت حدته عن بداية هذا القرن. يمكن القول إذن ان الحضارة الاميركية قامت على العنف، وكان بطلها الرئيسي هو راعي البقر الذي يسحب مسدسه اسرع من غيره. وحول هذا الراعي وبطولاته كتبت الآف القصص والروايات والاغاني والمسلسلات والافلام. وهي افلام اشتهرت باسم افلام الغرب. ...................... بعد ان استنفذت افلام الغرب اغراضها يعتمد الجزء الاكبر اليوم من افلام الحركة الاكشن على العنف البحت. هناك افلام تتحدث عن السطو على البنوك. وتشرح بالتفصل الممل كيف تتم دراسة البنك ونظام الحراسة فيه، ومتى تمتلئ خزائنه بالنقود ومتى تكون فارغة، وكم واحدا يلزم لعملية السطو، ومن اين يدخلون ومن اين يخرجون وكيف يراقبون من الداخل والخارج، وكيف يتصرفون في حالة تدخل البوليس. ويتم هذا كله بشكل مدروس وجيد حتى ليبدو الفيلم في النهاية مثل درس عملي في السطو على البنوك. اضف لهذا افلام الشباب ومغامراتهم في عالم المخدرات والجنس والمافيا. اضف لهذا المسلسلات التي تبدأ بطلقات مسدس كاتم للصوت. وهي طلقات تصور صاحبها انها ستحل مشكلته في ثوان. ليس معنى هذا ان الافلام وحدها هي المسؤولة عن شيوع العنف بين الشباب، لأن السينما في نهاية الامر مرآة للمجتمع، وهي تعكس ما يشيع فيه، وتبدو كدروس مجانية للعنف في الوقت نفسه. يمكن القول إن المجتمع مسؤول والفنون هي الاخرى مسؤولة.