اختار المعلق السياسي الاسرائيلي المعروف بن كاسبيت ان يقدم عشر نصائح الى ايهود باراك مع تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة، بعضها يصلح لأي رئيس وزراء، وبعضها خاص بعملية السلام أو السياسة الاسرائيلية الداخلية. قال كاسبيت في نصائحه، أو وصاياه، لباراك: أولا أحط نفسك بمستشارين ممتازين وليس بالمخلصين لك فقط، ثانياً لا تهمل الحكومة، فأنت الأول بين متساوين، ثالثاً لا تهمل الحزب ففيه ناس عندهم حساسيات كثيرة وخناجر مشرعة، رابعاً في حديثك القادم مع الرئيس كلينتون اعطه فرصة للكلام، فهو رئيس العالم لا انت، خامساً، على الرغم من النصائح التي تلقيتها أخيراً، لا تذهب الى الأردن قبل مصر، فالرئيس مبارك هو الزعيم العربي الأول في المنطقة، سادساً لا تعامل عرفات بفوقية، فهو شريكك في حل النزاع العربي - الاسرائيلي ولا يوجد غيره، سابعاً لا تهمل شمعون بيريز، ولا تتركه خارج الحكومة، ثامناً لا تضع أسرتك في السياسة، بل اترك من تحب في البيت، تاسعاً لا تعزل نفسك ولا تخجل من المشاركة في المسؤولية، عاشراً فوائد الحكم لذيذة، ولكن لا تكثر منها حتى لا تختنق بها. لا أدري اذا كان باراك يحتاج الى كل هذه النصائح، فهو يبدو جدياً في سعيه الى سلام شامل في المنطقة، وهو كرر مثلا في أول خطاب له في الكنيست بعد تشكيل حكومته عزمه على العمل لسحب القوات الاسرائيلية من جنوبلبنان خلال سنة، مع ان معلقين كثيرين اعتبروا هذا الموقف في السابق من نوع الوعود الانتخابية البراقة التي لا تعطى، الا لتسحب أو تنسى بعد الانتخابات. الواقع ان باراك قال في خطابه الأول كل ما هو منتظر من رئيس وزراء اسرائيلي يريد السلام، فهو تكلم عن مد يده الى جميع قادة المنطقة، وتكلم عن الرئيس عرفات باحترام، ما أزال الحساسية السابقة، فباراك لم يكلم أبو عمار بعد انتخابه، وكانت حجته انه يوجد رئيس وزراء واحد في اسرائيل، وانه لم يتسلّم الحكم بعد. وحاول كثيرون تفسير موقفه ذاك أو تأويله، إلا أنه يبدو الآن انه كان يقصد ما يقول حرفياً. يرجح الآن ان يقابل باراك الرئيس الفلسطيني على معبر اريتز في مطلع الاسبوع القادم، وهو سيقابل بعده بسرعة الرئيس مبارك ثم الملك عبدالله، وربما قابل الرئيس المصري قبل الفلسطيني، إلا أن هذا مجرد تفصيل، فالمهم هو محتوى المفاوضات مع القادة العرب. باراك تحدث بوضوح أيضاً عن المفاوضات مع سورية، فلم يخرج عما قاله اسحق رابين سنة 1992، وهو أعلن قبوله "تنازلات على الأرض" مقابل السلام مع سورية على أساس القرارين 242 و338. وفي حين لا ينتظر من باراك ان يقدم أوراقه التفاوضية هدية، فإن المراقبين جميعاً متفقون على أن باراك يدرك ان على اسرائيل الانسحاب من الجولان كله، وان المفاوضات ستكون على شروط السلام، لا حجم الانسحاب، وانها ستجري مرة أخرى في واشنطن برعاية الولاياتالمتحدة. لا سبب اليوم للشك في قول باراك انه يريد "سلاماً حقيقياً ودائماً"، فكل ما نرجو هو أن يتبع كلامه في الكنيست بأفعال واضحة، تعيد السلام الى مساره الذي أخرجه عنه بنيامين نتانياهو وحكومته. باختصار، الموقف من باراك هو تفاؤل محفوف بالحذر، فالرجل أفضل كثيراً من سلفه، وقد قال كل الكلام المناسب منذ انتخابه، فلا يبقى سوى ان نتذكر ان السلام الاسرائيلي غير السلام العربي، وان المفاوضات مع الأطراف العربية هي على شروط هذا السلام. وربما كان المراقب العربي سيشعر بارتياح أكبر لو أن وزير الخارجية الاسرائيلي الجديد هو يوسي بيلين، لا ديفيد ليفي، غير أن الأول متقدم في طلب السلام على غالبية الاسرائيليين، في حين ان الثاني ربما كان يعكس بشكل أدق موقف هذه الغالبية من السلام. ويكفي ليفي انه اختلف مع نتانياهو ودان كذبه ونكثه بوعوده، وانسحب من حكومته. ونعرف أن في الكنيست الجديد 15 حزباً، إلا أن الواقع ان فيه 120 رأياً مختلفاً بشأن السلام وكل موضوع داخلي واقليمي ودولي، وباراك يواجه مهمتين الأولى ان يصل الى سلام يقبل به العرب، والثانية ان يقنع الاسرائيليين بجدوى هذا السلام. في مثل هذا الوضع، جاء أول انتقاد لباراك من الاسرائيليين لا العرب، فهو وصف فوراً بأنه "كاليغولا" و"ايهود بونابرت". غير أننا نقول اليوم ان مثل هذا النقد من خصوصيات الممارسة السياسية الاسرائيلية، وهو يعني ان باراك ينفرد برأيه، أو يحكم حكماً شخصياً، فإذا كان هذا صحيحاً فإنه سيجعل تعامله مع القادة العرب أسهل، وهم يرحبون به في ناديهم.