تعتبر البطالة من اكبر التحديات التي تواجه اسواق العمل سواء العربية او الاجنبية. ويشير تقرير صادر من الأممالمتحدة الى ان عدد العاطلين في العالم بلغ عام 1998 نحو 150 مليوناً، فيما أشار تقرير صادر عن منظمة العمل العربية الى ان اعداد العاطلين في الدول العربية بلغ 12 مليوناً. وأصبحت معدلات البطالة في المنطقة العربية تتزايد يوماً بعد آخر خصوصاً في ضوء ارتفاع معدلات النمو السكاني اكثر من ثلاثة في المئة في بعض الدول وزيادة عدد السكان في سن الشباب اذ ان 50 في المئة من سكان المنطقة تبلغ اعمارهم اقل من 20 عاماً ما يترتب عليه دخول اعداد كبيرة سنوياً الى سوق العمل، في الوقت الذي بدأت فيه غالبية الدول العربية تعاني من الركود الاقتصادي في ضوء تدني اسعار النفط وعودة الكثير من المغتربين الى اوطانهم في اطار عمليات احلال العمالة المواطنة محلها، علاوة على ذلك ما تركته برامج في الاصلاح الاقتصادي الذي نهجته العديد من الدول العربية من آثار أدت الى تقليص فرص العمل في الحكومة والقطاع العام اللذين كانا يستوعبان سنوياً العديد من الباحثين عن عمل، اذ تم الاستغناء والتسريح لاعداد كبيرة من العاملين في المشاريع العامة، كما شهد العديد من الصناعات الصغيرة والمتوسطة حالات افلاس نتيجة لفتح باب الاستيراد، ورفع الاجراءات الحمائية، وعدم القدرة على المنافسة. وفيما تعد البطالة نتيجة طبيعية لعملية اعادة التخصيص وإعادة الهيكلة في الدول التي تبنت برامج اصلاح اقتصادي، فإن القلق يثور من ان تؤدي الزيادة في عدد العاطلين واستمرار البطالة الى عرقلة القيام بالمزيد من جهود الاصلاح، والى حدوث الكثير من المشاكل الاجتماعية والأمنية. وعلى رغم ان الداعين الى تبني سياسات الاصلاح يعتبرون ان هذه السياسات وإن أدت الى - بطالة في الاجل القصير - اي انها ستكون موقتة - الا ان هذه المقولة بدأ التشكك في صدقيتها في ضوء زيادة معدلات البطالة الصريحة، اذ ان سياسات تقليص الانفاق الحكومي وضغط الواردات - وفقاً لبرامج الاصلاح الاقتصادي - ادت الى انخفاض مستويات الاستثمار والناتج وتقليص عدد المشاريع الجديدة وبالتالي تضاؤل فرص ايجاد وظائف جديدة للباحثين عن عمل. وتشير احصاءات منظمة العمل العربية الى ان حجم القوى العاملة العربية بلغت عام 1998 نحو 86.5 مليون عامل بمعدل نمو بلغ 3.3 في المئة خلال الأعوام الثلاثة الاخيرة وهو اعلى معدل نمو في العالم. ومن المتوقع ان يصل هذا الحجم الى 123 مليون عامل سنة 2010 بمعدل سنوي يقدر بحوالى اربعة في المئة، في وقت تتزايد فيه الوظائف بمعدل 2.5 في المئة، وبالتالي فإن هذا المعدل لن يستوعب الداخلين الجدد الى سوق العمل. وبتوزيع عدد العمالة في المنطقة العربية حسب اوجه النشاط الاقتصادي عام 1996 نجد ان قطاع الخدمات يستأثر بنسبة 45.8 في المئة من اجمالي القوى العاملة مقابل 32.4 في المئة عام 1985، يليه قطاع الزراعة بنسبة 35.1 في المئة مقابل 41.7 في المئة عام 1985، ثم قطاع الصناعة 19.1 في المئة مقابل 25.9 في المئة. ويتضح من ذلك زيادة نصيب قطاع الخدمات من القوى العاملة على حساب قطاعي الزراعة والصناعة. اما بالنسبة للدول العربية منفردة فنجد ان دولة قطر تستأثر بأعلى نسبة للقوى العاملة في قطاع الخدمات 90 في المئة تليها السعودية 76 في المئة ثم ليبيا 74 في المئة فالكويت 68.1 في المئة بينما تتدنى هذه النسبة في السودان حيث اقتصرت نسبة العاملين في قطاع الخدمات على 22 في المئة ثم اليمن 33.6 في المئة اما في مصر فنجد النسبة 44.6 في المئة. اما بالنسبة للقطاع الصناعي فتبلغ اعلى نسبة للقوى العاملة في لبنان 37 في المئة تليها الامارات 34 في المئة وسورية 32 في المئة ومصر 24 في المئة، بينما تتدنى نسبة العاملين في القطاع الصناعي الى 5.1 في المئة في موريتانيا والى 7.5 في المئة في دولة قطر، و10.3 في المئة في اليمن، و11.1 في المئة في السعودية. وفي ما يتعلق بالقطاع الزراعي بلغ اعلى معدل للقوى العاملة في الصومال 74 في المئة، فالسودان 38 في المئة، ثم اليمن 56 في المئة، وموريتانيا 48 في المئة، بينما بلغ ادنى معدل له في الكويت والبحرين 2 في المئة وقطر 3 في المئة ولبنان 4 في المئة وليبيا 6 في المئة والسعودية 13 في المئة. اما بالنسبة لمعدلات البطالة في المنطقة العربية، فتشير احصاءات منظمة العمل العربية الى ان متوسط معدل البطالة للقوى العاملة العربية مجتمعة بلغ 14 في المئة، اي ان هناك 12 مليون عاطل، ويختلف هذا المعدل من دولة الى اخرى فهو يبلغ اقصاه في اليمن 25 في المئة ثم الجزائر 21 في المئة، فالأردن 19 في المئة، ثم السودان 17 في المئة ولبنان والمغرب 15 في المئة وتونس 12 في المئة ومصر 9 في المئة وسورية 8 في المئة. والجدير بالذكر ان البطالة تتركز في هذه الدول بصورة رئيسية لدى الشباب اذ تشير الاحصاءات الى ان حوالى 65 في المئة من السكان في الجزائر هم من الشباب دون سن 25 عاماً، وفي تونس توضح الاحصاءات ان اكثر من 47 في المئة من العاطلين هم من الشباب الذين تقل اعمارهم عن 24 عاماً، اما في المغرب فبلغت نسبة العاطلين نحو 47 في المئة بين ذوي الاعمار بين 25 و34 عاماً. ويتضح مما سبق ان البطالة في الدول العربية تتركز في فئة الشباب مما قد يخلق مشكلات امنية واجتماعية شديدة الخطورة. اما بالنسبة لمعدل مشاركة الاناث في القوى العاملة العربية فتوضح الاحصاءات تدني هذه المشاركة، اذ يصل المعدل الى 11 في المئة في قطر، و14 في المئة في كل من الامارات والسعودية، و15 في المئة في سلطنة عمان، و18 في المئة في العراق، بينما بلغ هذا المعدل اقصاه في موريتانيا 44 في المئة وفي الصومال 43 في المئة وفي المغرب 35 في المئة وفي تونس 31 في المئة وفي مصر 29 في المئة. وإذا كانت الاحصاءات تكشف عن تدني نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة العربية فإن ذلك لا ينفي وجود بعض الجهود لرفع نسبة هذه المشاركة وكمثال على ذلك الأردنوالكويت وسلطنة عمان التي تضاعفت فيها نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة خلال الفترة 81 - 1996م. سياسات مكافحة البطالة: لا يمكن فصل السياسات الخاصة بالتوظف في المنطقة العربية عن السياسات الخاصة بعدد جوانب التنمية ولا سيما التنمية الاجتماعية، فسياسات التوظف ترتبط ارتباطاً وثيقاً مع السياسات التعليمية والسياسات المتعلقة بالتدريب والسياسات المتعلقة بالحوافز والأجور، كما ترتبط ايضاً بالسياسات السكانية ولا سيما في مجال الخدمات الصحية والخصوبة. ففي مجال التعليم، وعلى رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الدول العربية في هذا المجال، فان السياسات التعليمية ظلت ضعيفة الارتباط بمتطلبات سوق العمل، واصبح هناك فائض في بعض التخصصات وعجز في تخصصات اخرى. وفي مجال الحوافز الانتاجية والأجور كانت السياسات العربية تلح على ضرورة نمو انتاجية العمل بمعدلات أعلى من معدلات زيادة الأجور، وضرورة ربط الأجور بالكفاءة وبحجم الانجاز في العمل بدل ربطه بالمؤهل العملي او الوظيفة، كما كانت السياسات تهدف الى وضع نظام للحوافز من شأنه دفع العاملين الى زيادة انتاجية العمل والى انتقالهم الى القطاعات الانتاجية التي تشكو من نقص في الأيدي العاملة، الا ان نجاح هذه السياسات كان محدوداً الى درجة كبيرة، وظل المؤهل العلمي او المهنة هو المعيار الأساسي للأجر في القطاع العام. اما في مجال الخصوبة فتباينت السياسات العربية في شكل كبير، فحكومات بعض الدول ترى الخصوبة في بلدانها مرضية وتحبذ بقاءها على هذا المستوى او حتى تشجع على رفع مستواها الحالي، وهناك حكومات عربية ترى الخصوبة في بلدانها مرتفعة وتضع السياسات الملائمة لخفضها، كما ان حكومات اخرى تفضل عدم التدخل في رفع او خفض مستوى الخصوبة لديها. ولمواجهة مشكلة البطالة التي تعاني منها البلدان العربية لا بد من التأكيد على عدد من الوسائل الأساسية الآتية: 1 - تخطيط التعليم وفقاً لحاجات سوق العمل ان نظام التعليم في المنطقة العربية في تركيزه على الكم بدلاً من الكيف اصبح بعيداً عن الدور المرجو منه في تحقيق اهداف التنمية العربية، كما ان الانتاجية العلمية والبحثية للجامعات ومعاهد البحوث العربية اقل بكثير مما يمكن ان تقدمه بالقياس الى الطاقات الكبيرة من الكفاءات والمواهب التي تملكها، فأصبح ارتباط النشاطات التعليمية البحثية العربية ببرامج التنمية والانتاج ضعيفاً اجمالاً ان لم يكن هامشياً. ومن هنا فان الملجأ هو التخطيط التعليمي السليم الذي من شأنه ليس خفض حدة البطالة بين خريجي الجامعات والمعاهد العليا فحسب بل زيادة فرص العمل امام الأيدي العاملة الجديدة ايضاً، كما يؤدي الى ترشيد النفقات الحكومية في كثير من التخصصات التعليمية غير المطلوبة، وهو ما يعني ضرورة اجراء مراجعة شاملة ودراسة متكاملة لسياسة التعليم والتدريب القائمة حالياً في الدول العربية على ضوء الحاجة الفعلية لكل تخصص، وقد يكون من المفيد الاستغناء عن المعاهد التي لا تقدم فائدة كبيرة للمتدربين وتحويلها الى مراكز للتدريب المكثف الذي يرتبط مباشرة بأماكن العمل، أما الجامعات والمعاهد العليا فينبغي تطوير مناهج وأساليب الدراسة فيها لتصبح اكثر التصاقاً بعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية حتى تصبح الجامعات العربية اكثر قدرة على اعداد المهنيين الذين تقع على عاتقهم مسؤولية تطوير التكنولوجيا، وحل المشكلات الاقتصادية والادارية في المجتمع. ويكفي ان نشير في هذا الصدد الى ان مراجعة الأنظمة التعليمية ليست قاصرة على الدول العربية فقط، او تقليلاً من شأنها، بل ان الولاياتالمتحدة برغم مكانتها المرموقة عالمياً سعت الى مراجعة انظمتها التعليمية، وكان ظهور كتاب "أمة في خطر" عام 1983 مؤشراً على هذه الصحوة، فالاحساس المتزايد بأن النظام التعليمي الاميركي قاصر على اعداد المواطن والمجتمع الاميركي لعالم القرن ال21 دفع الرئيس الاميركي انذاك "رونالد ريغان" لتكوين لجنة رئاسية على أعلى مستوى لمراجعة النظام التعليمي الاميركي واقتراح الاستراتيجيات والسياسات الكفيلة بتطويره، وهناك مقولة مؤداها "ان التعليم اخطر من ان يترك للتربويين وحدهم مثلما ان الحرب اخطر من ان تترك للعسكريين وحدهم". 2- نمط التنمية الملائم من الأهمية بمكان توجيه عمليات التنمية الوجهة التي تسمح باستغلال الموارد المتاحة أفضل استغلال ممكن وتحقيق أعلى النتائج الممكنة، فعلى سبيل المثال لا بد من اختيار نوع التكنولوجيا المستخدمة في الانتاج، وهل هي تكنولوجيا كثيفة رأس المال، أم هي تكنولوجيا كثيفة العمالة. فاختيار التكنولوجيا الملائمة يعتبر أمراً مهماً لاقامة التوازن المطلوب بين رفع مستويات انتاجية العمل ومعالجة مشكلة البطالة وذلك على ضوء حجم ما يتوافر لدينا من موارد تتعلق بالعمالة أو رأس المال. 3- زيادة الادخار المحلي لتمويل الاستثمارات التنمية غير ممكنة إذا لم تتوافر لها مصادر التمويل الكافية، وإذا كانت مصادر التمويل الخارجية يمكن الحصول عليها من خلال الاقتراض أو التحويلات، فإن المدخرات الوطنية تظل المصدر الرئيسي للاستثمار الذي ينبغي العناية به - وهنا يلعب النظام المصرفي دوراً حيوياً في جذب المدخرات الوطنية وتوجيهها التوجيه الملائم للاستثمار، فالاستثمار يعني بناء مصانع جديدة أو التوسع في المصانع القائمة وكلاهما يوفر فرصاً طيبة للتوظيف. 4- الاهتمام بالصناعات الصغيرة والمتوسطة وهي مجال خصب لاستيعاب أعداد كبيرة من العمالة، وهو ما يتطلب تقديم العون والمساندة لهذه الصناعات وحل العقبات التي تواجهها سواء كانت عقبات تمويلية أو ادارية أو تسويقية، وتكفي الاشارة الى ان الصناعات الصغيرة والمتوسطة في الولاياتالمتحدة تستوعب حوالى 90 في المئة من جملة العمالة، وفي اليابان نحو 85 في المئة. ونخلص الى القول ان لا شك في انه مع اشتداد حدة ظاهرة البطالة تزداد الحاجة الى ضرورة مواجهتها بشكل علمي مدروس، اذ يمكن لفرص العمل ان تتسع وتنمو بشكل كبير اذا ما أولت خطط التنمية الاقتصادية الشاملة في الدول العربية اهتمامها لبعض المشاريع الصناعية والزراعية العملاقة التي يمكن أن توفر فرص عمل ضخمة سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، والاهتمام بمشاريع التكامل الاقتصادي مع التركيز على المشاريع الكثيفة العمالة، والتقليل من استخدام التكنولوجيا ذات الكثافة الرأسمالية العالية، بمعنى التركيز على المزيج التكنولوجي المناسب لنا في ضوء التزايد المضطرد لعدد السكان، فما يناسب الغرب ليس بالضرورة يناسب الدول الكثيفة السكان. ومن جهة أخرى فإن خفض حجم البطالة العربية يتطلب خلق الوظائف في القطاع الخاص لا سيما ان من المتوقع حدوث زيادة أخرى في فقدان الوظائف في الشركات التي تحولت الى القطاع الخاص ومرحلة إعادة الهيكلة وانتهاج سياسات الخصخصة. ان مواجهة تحديات التنمية في الوطن العربي والحاجة الى حل الاختناقات الناتجة عن عدم توافر العمالة المتخصصة في بعض الدول العربية يستلزم اعادة نظر جذرية في سياسات التنمية، خصوصاً في جوانبها التي تتعلق بوضع المرأة العربية، فالمرأة وهي نصف المجتمع ما زالت تعيش في حالة غربة في خضم التحولات السياسية والاقتصادية ويقف أمام دورها في التنمية العديد من المعوقات التاريخية والاجتماعية والقيمية، كما ان مشاركتها في النشاط الاقتصادي ومساهمتها في المستويات الادارية القيادية تعتبر مساهمة محدودة. * اقتصادي سعودي.