في غالبية دول مجلس التعاون الخليجي، يعمل معظم المواطنين في القطاع العام، إلا أن ذلك النموذج بدأ يمثل مشكلة متزايدة، حيث بات يتزامن معه ما يعرف بالبطالة المقنعة. كما ان تكاليف هذا النموذج المتمثل بالإنتاجية المنخفضة وضعف استجابة العمالة الوطنية للنمو الاقتصادي بدأت تمثل مشكلة متزايدة بالنسبة لتنويع مصادر الدخل، وأصبح تنويع الاقتصاد أقرب لأن يكون أولوية في السياسات الاقتصادية لدول المجلس، مما يبرز أهمية هذه السياسات في دول مجلس التعاون من أجل خفض الاعتماد على الإيرادات النفطية، وزيادة الفرص أمام مواطني دول المجلس للعمل في وظائف مجزية يتيحها القطاع الخاص. ووفقا للتقرير السنوي لمنظمة العمل الدولية، لقد أدى انخفاض رواتب ونوعية الوظائف المتوفرة في القطاع الخاص إلى تهافت الأيدي العاملة الوطنية للعمل في القطاع الحكومي. ففي قطروالكويت يوظف القطاع العام نحو 80% من الأيدي العاملة الوطنية و72% في السعودية و47% في سلطنة عمان. ونتيجة لضعف هيكل الأجور في القطاع الخاص برزت فجوة كبيرة بين سوق عمل القطاع الخاص وسوق عمل القطاع العام، حيث لوحظ في البحرين بأن معدل الرواتب في القطاع العام يبلغ 712 دينارا، بينما يبلغ 278 دينارا في القطاع الخاص، وهو ما يشكل عامل إحباط كبير لدى المواطنين الراغبين في العمل لدى القطاع الخاص. ويفسر ذلك جانبا مهما من تفشي البطالة في صفوف الشباب الخليجي بالذات. كما يتسم سوق العمل الخليجي بتدني مشاركة الإناث لأسباب اجتماعية واقتصادية، وبينت دراسة حول التركيبة السكانية أن مشاركة المرأة من المواطنات في سوق العمل بلغت 2% في الإمارات و2.6% في قطر و6.5% في الإمارات و7.1% في سلطنة عمان و 12.3% في البحرين. إن المشكلة الرئيسية تكمن بأن القسم الأعظم من الوظائف المتولدة عن نمط النمو الاقتصادي الراهن في دول مجلس التعاون الخليجي تكون ضعيفة الرواتب وتتطلب مهارات محدودة، مما يخلق دينامية متنامية للطلب على الأيدي العاملة الأجنبية. وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى نحو 7 ملايين وظيفة تم توفيرها في أسواق العمل الخليجية خلال العقد الماضي، إلا أن نحو مليوني وظيفة فقط من هذه الوظائف ذهبت للمواطنين من دول المجلس، وقد تولد عن ذلك زيادات كبيرة في الأيدي العاملة الأجنبية. وتوضح البيانات تضخم الأيدي العاملة الأجنبية كعدد وكنسبة من مجموع الأيدي العاملة في كافة دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة من 2003 - 2014. وتتصدر قطر القائمة بنسبة 93.44% تليها الكويت بنسبة 87.74%. وعلى الرغم من عدم توفر البيانات الخاصة بدولة الإمارات، إلا أن النسبة لديها مشابهة أو تفوق النسبة في الكويت بنسبة 80.34% ثم البحرين بنسبة 77.22% ثم سلطنة عمان بنسبة 75.9% ثم السعودية بنسبة مماثلة تقريبا. وغالبا ما تكون هذه العمالة غير ماهرة موجهة لقطاعات الإنشاءات والبناء والخدمات العامة. إن تكدس العمالة الوطنية في القطاع العام أدى بالفعل إلى انخفاض معدلات الانتاجية بصورة عامة، خاصة مع غياب الحوافز الموجهة لجانب الإنتاجية في القطاع العام، وخضوع تقييم الموظفين لمعايير موحدة تنجم عن حصولهم نهاية كل عام على نفس المزايا تقريبا، وتقاس إنتاجية العمل من خلال قسمة الناتج المحلي الإجمالي على عدد العاملين لمعرفة إنتاجية العامل الواحد. وعلى خلفية الزيادات السنوية الكبيرة في أعداد الأيدي العاملة الأجنبية، يتبين التذبذب الواضح في معدلات نمو الإنتاجية خلال السنوات التسع الماضية، بل وانخفاضها في معظم السنوات، حيث انخفضت بنسبة 6.68% عام 2013، على الرغم من زيادة الأيدي العاملة الأجنبية في ذلك العام بنسبة 14.8% بالمقارنة مع العام 2012. وقد سجلت البحرينوالإمارات نموا سالبا لإنتاجية العمل بنسبة 1.71% و0.1% على الرغم من زيادة الأيدي العاملة الأجنبية بنسبة 6.4%. وتأخذ إنتاجية العمل الحقيقية منحنى تنازليا مع كل زيادة في أعداد القوى العاملة الأجنبية منذ العام 2006 في أغلب القطاعات الاقتصادية. وتبين بيانات مؤسسة الخليج للاستثمار أن دول المجلس حققت معدل نمو 5.1 % سنويا خلال 2000 - 2012، لكن ذلك لا يعكس زيادة في الإنتاجية، إذ ارتفع معدل الإنتاج بالساعة (مع احتساب قطاع النفط والغاز) منذ العام 2000 بنسبة ضئيلة بلغت 1 % سنويا، وهذا أقل بكثير مما حققته الهند (4.9%) والصين (10.5%)، وحتى الولاياتالمتحدة الأميركية (1.4 %) وأوروبا (1.5%). ونتيجة لهذه الاختلالات يرى خبراء أن نتيجتها المنطقية هي تعاظم نسب البطالة في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يبلغ معدلها الوسطي 5.21% عام 2012. كما تبين البيانات مراوحة وزيادة هذه المعدلات على مدى عقد من الزمن، وهو ما يؤكد عجز نمط النمو الاقتصادي الراهن علاوة على الإجراءات التصحيحية في سوق العمل عن علاج هذه المشكلة. ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، يتوقع ارتفاع عدد المواطنين الخليجيين العاطلين عن العمل الى نحو 2 - 3 ملايين مواطن خلال السنوات الخمس القادمة (2010 – 2015)، بينما تؤكد دراسة لمؤسسة الخليج للاستثمار أن معدلات البطالة في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 19و25 عاما تبلغ حوالي 30% في حالة المملكة العربية السعودية، 28% في البحرين، 23% في عمان وحوالي 24% في الإمارات و12% في الكويت. لذلك بات من الضروري والملح قيام دول مجلس التعاون الخليجي بإعادة بناء أنماط التنمية لديها بما تؤسس أولا لتحقيق تكامل اقتصادي خليجي منتج وحقيقي ومستدام ومنفتح بذات الوقت على التكامل الاقتصادي العربي، وثانيا التحول نحو اقتصاد المعرفة والصناعات ذات القيمة المضافة العالية. توقعات ارتفاع عدد المواطنين الخليجيين العاطلين الى 3 ملايين