تكمن اهمية زيارة الرئيس حافظ الاسد لموسكو غداً، في انها الاولى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، الحليف الاستراتيجي لسورية في العقود الاخيرة، وانتقال "الوراثة" الى روسيا الاتحادية. كما انها تأتي في ظروف اكثر وضوحاً بالنسبة الى اعادة اطلاق مفاوضات السلام السورية - الاسرائىلية. وتتشابه زيارة الاسد لموسكو مع تلك التي قام بها في تموز يوليو العام الماضي لاوروبا والتي كانت الاولى منذ 22 سنة، الا ان المحادثات السورية - الروسية تفوقها اهميةً لانها تتضمن البعدين العسكري والتاريخي للعلاقات بين الطرفين، واللذين يعززان الموقف التفاوضي السوري عشية استئناف المحادثات. وكانت العلاقات شهدت بروداً منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء "الحرب الباردة" واعلان "النظام العالمي الجديد" بعد حرب الخليج الثانية بسبب عدم الاستقرار في موسكو من جهة والضبابية في العلاقات الدولية وتراجع الدور الروسي وعدم ارتقائه الى المستوى السوفياتي سواء في دعمه لحلفائه السابقين من الدول العربية أو شلله في عملية السلام العربية - الاسرائىلية والاكتفاء ب"الكومبارس" للدور الاميركي في رعاية المفاوضات السورية - الاسرائىلية. واضافة الى البعد السياسي، ثمة البعد العسكري. وعلى رغم ان معظم السلاح السوري من دول الاتحاد السوفياتي السابق، خصوصاً روسيا، ترددت موسكو كثيراً في دعم القدرات الدفاعية السورية او تحديث اسلحتها بداية التسعينات لاسباب داخلية روسية وخارجية، من ضغوط الادارة الاميركية وجماعات الضغط الاسرائىلية في روسيا. وكانت موسكو تركز كل جهدها على مسألة متأخرات القروض الروسية المستحقة على دمشق والبالغة نحو 11 بليون دولار اميركي. كل ذلك، انعكس في التوازن السياسي خصوصاً في ما يتعلق بالمفاوضات السلمية باعتبارها الملف الاهم الذي سيطر على الشرق الاوسط بين 1991 و1996. فكانت الكلمة الاولى للراعي الاميركي في ظل غياب اي حليف اساسي للطرف العربي باستثناء الدور الاوروبي عموماً والفرنسي خصوصاً ومحاولات مسؤولين روس. وانطلقت بداية التحول في 1994 عندما وقع نائب رئيس الوزراء الروسي اوليغ سوسكيفتش اتفاقاً مع نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع السوري العماد اول مصطفى طلاس، قضى بفصل مشكلة الديون عن تطوير العلاقات في المجال العسكري بين الطرفين، وما تلى ذلك من توقيع 12 اتفاقاً للتعاون الفني بين روسيا وسورية. لكن الخطوة الابرز جاءت في شباط فبراير العام الماضي، عندما عقدت الدورة الاولى للجنة السورية - الروسية بعد نقل رئيس مجلس الدوما رسالة خطية من الرئيس بوريس يلتسن الى الاسد تضمنت "الرغبة في دفع العلاقات التاريخية" بين الطرفين. ثم نقل رئيس الجانب الروسي سيرغي ستيباشين رسالة اخرى من يلتسن الى الاسد يؤكد فيها رغبة بلاده ب"تعزيز العلاقات الاستراتيجية" مع سورية. واسفرت اعمال اللجنة عن توقيع الطرفين عدداً من الاتفاقات، أهمها اتفاق التعاون في مجال استخدام الطاقة الذرية في المجال السلمي قضى ب"الاستمرار بالعمل باتفاق العام 1983" الذي كان جمد في السنوات الاخيرة. ولا يتناقض مع اتفاق الضمانات الشاملة الذي وقعته سورية عام 1992 مع "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" ويقضي باخضاع منشآتها للتفتيش الدوري المفاجئ. وحصل وقتذاك خلاف لفظي بين اعتبار دمشق الاجتماعات انها "الاولى" وان اتفاق التعاون الذري "جديد"، واعتبار الجانب الروسي الاجتماع "دورياً" و"استمرارا" لما سبقه. وعكس ذلك التفكير السوري في ابعاد مسألة الديون عن الوراثة الروسية للاتحاد السوفياتي. لكن السفير الروسي في دمشق فكتور غوغيتذه قال اخيراً ل"الحياة" ان زيارة الاسد تأتي تلبية لدعوة رسمية من يلتسن هي "اقرار بهذه الوراثة". وثمة سؤال آخر: هل تتوج زيارة الاسد مسيرة السنوات الاخيرة، ام انها اعلان انطلاقة جديدة وتدشين لعلاقات روسية - سورية؟ كما حصل في زيارة الاسد لباريس. يجيب السفير الروسي ان الامرين صحيحان "اذ اننا سنجري مراجعة شاملة لما حصل سابقاً وسنتفق على خطوات مستقبلية". وتمهيداً لزيارة الاسد، زار وزير الدفاع الروسي ايغور سيرغييف دمشق في تشرين الثاني نوفمبر الماضي، قبل ان يزور وفد عسكري سوري روسيا في شباط فبراير الماضي، ثم الزيارة التي قام بها وزير الخارجية السيد فاروق الشرع في الشهر نفسه لموسكو والتي توجت بلقاء مع سيرغييف لم يكن مخططاً له بين البلدين. وتزامن ذلك مع قول يلتسن للاسد في برقية رسمية بأن التعاون في المجال السياسي "وغيره من المجالات يساهم في توازن القوى" في الشرق الاوسط. ولا يمكن فصل زيارة الاسد عن سعي روسيا لاتخاذ موقف مغاير للموقف الاميركي في الفترة الاخيرة. والاهم بالنسبة الى سورية هو الرفض الروسي القوي لقرار الادارة الاميركية معاقبة ثلاث شركات روسية وقعت صفقات اسلحة مع سورية هي شركات "تولا ديزاين" و"بيرو وفولسك" و"ميكانيكال بلانت وتزنيتوشماش"، بعدما قررت تصدير اسلحة مضادة للدبابات. وقال السفير الروسي ان الصفقة "لا تتناقض مع القوانين الدولية في شأن الاسلحة ومراقبة الصادرات العسكرية، وميزان القوة في الشرق الاوسط لان من حق كل دولة تعزيز قدراتها الدفاعية"، خصوصاً ان التعاون "ليس موجهاً ضد أي طرف ثالث". ومع ان السفير الروسي اشار اخيراً الى ان المحادثات السورية - الروسية ستشهد توقيع "اتفاقات مهمة" عسكرية واقتصادية، فان الجانبين يتجنبان الخوض في تفاصيل الاتفاقات العسكرية ويفضلان عدم التسرع في توقع النتائج.