تعد القطارات من وسائل السفر التي عرفها الناس منذ عهد الثورة الصناعية، ورغم أنّ الهدف الأساسي من صناعتها كان لنقل البضائع فقط، إلاّ أنّه سرعان ما تبين أنها مفيدة لنقل الركاب، فتنامى الطلب عليها من قبل الحكومات في كل بلاد العالم، ويعود الفضل في اختراع القطار البخاري ومدّ سكة الحديد إلى "م. جورج ستيفنسون" المولود فى التاسع من يونيو عام 1781م وهو مهندس إنجليزي ساهم في إنشاء أول خط سكك حديدية في العالم، حيث صمم مقياس السكك الحديدية المستخدم عالميا وهو 1435م، ويعرف أحياناً باسم مقياس "ستيفنسون"، وفي تطور سريع جاء المخترع الأمريكي "جرانفيل تي وودز" في عام 1891م ليحصل على براءة اختراع القطار الكهربائي، الذي ظهر للمرة الأولى في تاريخ البشرية بعد سنوات من ظهور القطار البخاري، ومرت صناعة القطارات بالعديد من المحطات والتطورات؛ مما جعلها تعد الآن من أهم وسائل المواصلات والنقل الآمنة في معظم دول العالم، وقد تسابقت العديد من الدول إلى مدّ السكك الحديدية في أراضيها والتوسع في استخدام القطار وذلك توفيراً للوقت والمال، حيث توفر قطارات نقل البضائع كميات كبيرة من الوقود التي تستهلكها شاحنات النقل، وقد عرفت بلادنا القطارات منذ وقت مبكر وذلك قبل ما يزيد على (65) عاماً وذلك من خلال مد سكة حديد بين مدينتين هامتين هما (الرياض) و(الدمام) على عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه-، ولا يزال هذا الخط شامخاً طوال هذه السنين يواصل نقل البضائع والمسافرين بين هاتين المدينتين، وقد سبق ظهور هذا الخط خط قديم يمر بأراضي المملكة، وهو خط "سكة حديد الحجاز" الذي يربط (الشام) و(المدينةالمنورة) مروراً بمدن (تبوك) و(العلا). «شارع الريل» بالرياض شهد أجمل الذكريات وقطار الحجاز يتوقف وقت الصلاة! سكة حديد الحجاز عُرف خط حديد الحجاز في السجلات العثمانية باسم "خط شمندفر الحجاز"، أو "خط حديد الحجاز الحديدي" وامتد بين الشام (دمشق) و(المدينةالمنورة)، حيث ينطلق الخط من (الشام) ماراً ب(عمَّان) و(معان) ثم ب(تبوك) و(مدائن صالح) وصولاً إلى (المدينةالمنورة)، وكان في خطة المشروع الحجازي أن يمتد بعد ذلك إلى (مكةالمكرمة) ومن هناك إلى (جدة)، بيد أن أيًّا من ذلك لم يتحقق، وإن تكن فكرة إنشاء الخط الحجازي قد طُرحت أول ما طُرحت في عهد السلطان عبدالعزيز، إلاّ أنها تحققت في عهد السلطان "عبدالحميد الثاني"، ولما كانت جهود السلطان "عبدالحميد الثاني" منصبة على العمل من أجل إيقاف تمزق الدولة العثمانية وانهيارها أو تعطيله على الأقل، فقد أخذ على عاتقه إنجاز مشروع الخط الحجازي، فأوكل السلطان "عبدالحميد الثاني" مهمة تنفيذ هذا المشروع العملاق ل"أحمد عزت باشا العابد" والمعروف في التاريخ باسم "عزت باشا العربي"، ويتضمن المشروع إنشاء خط سكة حديد الحجاز ليربط بين خط سكة حديد (الأناضول) وخط سكة حديد (بغداد)، وكذلك تأسيس شبكة اتصال تلغرافية بمحاذاة ذلك الخط الحديدي، حيث كان السلطان "عبدالحميد الثاني" يؤمن بأن هذا سيحقق له سهولة وسرعة في عمليات الاتصال والمتابعة بين مركز الدولة العثمانية وولاياتها في (الشام) و(الحجاز)، وقد أصدرت الإدارة السلطانية الخاصة قراراً بالبدء في إنشاء خط حديد الحجاز في الثاني من مايو عام 1900م، وفي الأول من سبتمبر عام 1900م والذي يوافق العام (25) لجلوس السلطان "عبدالحميد الثاني" على عرش الدولة العثمانية تم تدشين العمل في خط الحديد بين (الشام) و(درعا) في احتفال رسمي مهيب، ووصل خط الحجاز إلى (عمّان) عام 1903م وإلى (معان) عام 1904م، وفي الأول من سبتمبر عام 1905م اكتملت المرحلة الأولى من خط الحجاز، وانطلقت أولى رحلات القطار بين (الشام) و(معان) لنقل الركاب والبضائع، وفي الأول من سبتمبر 1906م وصل الخط إلى (مدائن صالح)، ثم في 31 أغسطس 1908م وصل إلى (المدينةالمنورة)، وخلال الثمانية أعوام التي جرى فيها تنفيذ خط الحجاز وصل طول الخط إلى (1464كم) ومع إضافة الخطوط الفرعية الأخرى في المراحل اللاحقة بلغ طول الخط (1900كم) عام 1918م. القوة العاملة وكان الجيش العثماني هو المصدر الرئيس للقوة العاملة في إنشاء خط حديد (الحجاز) وساهم أيضاً في إنشاء هذا الخط عمال توافدوا من مناطق جغرافية مختلفة من العالم الإسلامي في مقدمتها (سوريا) و(العراق)، ولما كانت أعداد أولئك العمال الوافدين محدودة فقد تحمل الجنود العثمانيين معظم أعباء ذلك المشروع، وكان الجنود يتقاضون أجوراً ضئيلة خلال فترة عملهم في المشروع في مقابل السماح لهم بالانتهاء من الخدمة العسكرية قبل عام من موعدها المحدد، وتولى منصب كبير مهندسي الأعمال الفنية مهندس ألماني يُدعى "مايسنر باشا"، وعمل تحت قيادته (34) مهندساً، (17) منهم عثمانيون والآخرون كان معظمهم من الألمان، بالإضافة إلى مهندسين من (إيطاليا) و(فرنسا) و(النمسا) و(بلجيكا) و(اليونان)، وبعد وصول الخط الحديدي إلى محطة (مدائن صالح) أصبح الجزء المتبقي من الخط داخل حيز المنطقة الحرام، ولما كان من المحظور شرعاً دخول غير المسلمين إلى هذه المنطقة، فقد جرى إنشاء الخط الواقع بين (مدائن صالح) و(المدينةالمنورة) كله بأيدي مهندسين وعمال مسلمين، ومع تقدم العمل في المشروع ازدادت خبرة العثمانيين، وعليه قلت أعداد المهندسين الأجانب في المراحل المتقدمة منه، أمام أعداد المهندسين المسلمين التي كانت تزداد يوماً بعد يوم، ومن ثم تميز خط حديد الحجاز بوصفه مشروعاً عمل فيه الكثير من المهندسين المسلمين، قياساً بخط حديد (الأناضول) وخط حديد (بغداد)، وقد قام القطار بنقل البضائع بين المناطق المختلفة، وهو ما أحدث انتعاشة في الحياة الاقتصادية والتجارية، كما أسدى قطار الحجاز في ذلك الوقت خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام، وتحددت أوقات تحرك القطارات وفقاً لمواقيت الصلاة، فكانت القطارات تتحرك على نحو لا يخل بأوقات الصلاة، فإذا ما دخل وقت الصلاة توقف القطار وتوجه الركاب لأداء الصلاة في العربة المخصصة لذلك. وكان تأسيس سكة حديد الحجاز في ذلك الوقت يمثل تحدياً كبيراً في حينه، حيث راهن الكثيرين على فشل المشروع واستحالة تنفيذه، وكدليل على ذلك فقد أرسل القنصل البريطاني في (دمشق) رسالة إلى حكومته يقول فيها إنّ إنشاء السكة أمر مستحيلاً، وأنّه أخذ على سبيل السخرية من قبل كل العقلاء، وكانت المعوقات التي طرحوها هي طبيعة الأرض الصحراوية، ونقص المياه، والتكاليف المادية، خصوصاً أنّ الدولة العثمانية كانت على حافة الإفلاس، وكذلك الفساد الإداري وانعدام الأيدي المدبرة وانعدام الأمن في بلاد العرب. سكة الدمام - الرياض 1371ه شهد افتتاح المؤسس لخط قطار الرياض - الدمام في احتفال رسمي كبير عندما برزت الحاجة في بداية الستينات الهجرية إلى إنشاء ميناء تجاري على ساحل الخليج العربي لنقل البضائع المستوردة عن طريقه إلى مستودعات شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) جاءت الفكرة التي تقدمت بها شركة (أرامكو) لإنشاء خط للسكة الحديد من (الدمام) إلى (الرياض) إنشاء ميناء تجاري كبير يمكنه استقبال السفن الضخمة التي تنقل مستلزمات أعمال صناعة النفط ومعداتها، فضلًا عما سيكون لهذا الميناء من فوائد جمة للاقتصاد الوطني وعند عرض الأمر على الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه - أمر بتنفيذ المشروع كاملا ليصل إلى العاصمة (الرياض)، ليتم فعليًا البدء في تنفيذ المشروع في تاريخ 26 ذي القعدة 1366ه، وتم تدشن الخط الواصل بين (الدمام) و(الرياض)، وذلك في (الرياض) بتاريخ 19 محرم عام 1371ه في حفل رسمي حضره المؤسس الراحل جلالة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه -وولي العهد آنذاك- الأمير سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله-، وحشد كبير من المسؤولين، وظلت السكة الحديد تعمل تحت إشراف شركة (أرامكو) لفترة من الزمن، ثم ارتبطت بوزارة المالية وسميت مصلحة السكة الحديد، وفي عام 1386ه صدر مرسوم ملكي كريم بالموافقة على النظام التأسيسي للمؤسسة العامة للخطوط الحديدية، وبمقتضاه تم تحويل السكة الحديد إلى مؤسسة عامة لها شخصية اعتبارية، يديرها مجلس إدارة ويرسم سياساتها العامة وفقاً لأسس تجارية، وتشمل الخطوط التي تشغلها المؤسسة خط نقل الركاب الذي يبلغ طوله (449 كم)، ويربط (الرياض) و(الدمام) مروراً ب(الأحساء) و(بقيق)، وخط شحن البضائع ويبلغ طوله (569 كم)، ويبدأ من ميناء الملك عبدالعزيز ب(الدمام) لينتهي في (الرياض)، مروراً ب(الأحساء) و(بقيق) و(الخرج) و(حرض) و(التوضيحية)، علاوة على الخطوط الفرعية التي يبلغ مجموع أطوالها (400 كم)، وهي تربط بعض مواقع الإنتاج الصناعي والزراعي وبعض المواقع العسكرية بموانئ التصدير وبعض المناطق السكنية. الميناء الجاف لاحظت المؤسسة أنّ جزءاً كبيراً من البضائع الواردة عن طريق ميناء الملك عبدالعزيز ب(الدمام) تخص موردين من منطقة (الرياض) أو ما جاورها، وعندما زادت واردات الميناء ب(الدمام) بكميات كبيرة جداً بعد عام 1395ه أصبحت الطرق بين (الدمام) و(الرياض) تعاني من أزمة ازدحام شديد، فبرزت فكرة إنشاء الميناء الجاف ب(الرياض) عن طريق مدّ خط سكة حديد من (الدمام) إلى الميناء الجاف ب(الرياض)، ليساهم القطار في تخفيف أزمة الازدحام عن طريق تمكين مستوردي البضائع في منطقة (الرياض) من نقل بضائعهم على القطار مباشرة إلى (الرياض)، حيث يتم تخليصها جمركياً وتسليمها لهم فيه، وبالفعل فقد تم البدء في تنفيذ الخط والانتهاء منه، وتم افتتاح الميناء الجاف في يوم الأحد 20 رجب 1401ه، وقد شهدت أعداد الحاويات الواردة إلى (الرياض) عن طريق الميناء الجاف زيادات كبيرة مطردة وزاد الإقبال على الخدمات التي يقدمها الميناء الجاف؛ نتيجة لما لمسه العملاء من حسن الخدمة، ومناسبة تكلفتها، وسرعة أدائها، وسهولة إجراءاتها، إذ تضاعف حجم النقل عدة مرات منذ بدء تشغيل الميناء الجاف، حيث بلغ عام 1401ه (21.000) حاوية نمطية بالاتجاهين، فيما تجاوز (318.000) حاوية قياسية في عام 1426/1427ه. تطوير في ظل تنامي الطلب على السفر بالقطار من (الرياض) إلى (الدمام) والعكس، فقد قامت المؤسسة العامة للسكك الحديدية بتطوير خدماتها لخدمة المسافرين على متن قطاراتها، ومنها تأمين ثمانية أطقم قطارات ركاب فاخرة وسريعة، يتكون كل طقم منها من خمس عربات وقاطرتين سوف تضيف إلى طاقة النقل لدى المؤسسة ما يزيد على (2000) مقعد، يمكن أن تنقل ما يزيد على (5000) مسافر يوميًا، ما بين (الدمام) و(الرياض)، ويجري العمل حاليًا على إدخالها للخدمة وفق خطة تشغيلية تعدها المؤسسة، كما تعمل كذلك على استكمال مشروع ازدواج الخط الحديدي بهدف تقليص زمن الرحلة لقطارات الركاب، فيما تم اعتماد تأمين عدد (4) أطقم قطارات ركاب حديثة للمرحلة المقبلة. ذكريات.. الريل من المعروف بأن مسمى القطار باللغة الانجليزية تعني (train) ولذلك عندما وصل القطار إلى مدينة (الرياض) قادماً من الدمام كان الناس يطلقون عليه اسم "الريل" أي القطار، وأطلقوا هذا الاسم على الشارع الذي تقع عليه المحطة فصار اسمه شارع "الريل"، وهو امتداد لطريق (الخرج) واشتهر هذا الشارع لدى سكان (الرياض)، وزوارها بانتشار المحلات التجارية التي تبيع العدد والأدوات الخاصة بالسيارات والمعدات، ولا يزال هذا الشارع باقياً إلى اليوم وعالقاً في ذاكرة كبار السن إلى وقتنا الحاضر. توسع تسعى المؤسسة العامة للخطوط الحديدية جاهدة في إنفاذ الرؤية الإستراتيجية الحكيمة لقطاع النقل الحديدي وذلك من خلال نشر خدماتها لتصل جميع مناطق المملكة، من خلال مدّ خطوط جديدة وكان من أول ثمرات التوسع هو قطار المشاعر المقدسة، هو مشروع خط سكة حديدية يربط (مكةالمكرمة) بالمشاعر المقدسة (منى) و(عرفة) و(مزدلفة)، وبلغت كلفة المشروع نحو (6.7) مليارات ريال سعودي، وبدأ تنفيذ المشروع منذ بداية (2009م) من خلال الشركة الصينية لإنشاء السكك الحديدية، وكان يقتصر ركوب القطار أول افتتاحه على مواطني السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، إلاّ أنَّه أصبح الآن مفتوحاً لجميع الحجاج من كل دول العالم. ومن المشروعات التي شارفت على الانتهاء هو مشروع مشروع قطار الحرمين السريع هو مشروع خط سكة حديدية كهربائي يربط بين منطقتي (مكةالمكرمة) و(المدينةالمنورة) مروراً بمدينة جدة بطول (480كم)، وسيتم في المرحلة الأولى من المشروع بناء أربع محطات ركاب، منها محطة في (مكةالمكرمة)، ومحطتان في مدينة (جدة) في كل من مطار الملك عبدالعزيز الدولي ووسط المدينة، والمحطة الرابعة ستكون في (المدينةالمنورة) وسيتم تدشينه قريباً، وكذلك مشروع قطار (الشمال - الجنوب)، والذي ينطلق من الرياض ويصل إلى الحدود الشمالية وتبلغ تكلفة المشروع نحو (10) مليارات ريال، وتنفذه شركة (سار) كواحد من أبرز مشروعات الخطوط الحديدية في المملكة، وسيرتبط بالخط الحديدي الذي يربط مدينة (الدمام) بالعاصمة (الرياض)، كما سيرتبط عبر منفذ الحديثة على الحدود السعودية - الأردنية بالسكك الحديدية الدولية، إضافة إلى ربط الخطوط الحديدية السعودية بمشروع قطار مجلس التعاون، بعد ترسية مشروعين من أبرز مشاريع الشركة في المنطقة الشرقية، وهما الخط الحديدي الرابط بين مدينتي الدماموالجبيل، والخط الحديدي الذي يربط مدينتي الجبيل ورأس الخير. قطار المشاعر نقلة نوعية للتسهيل على الحجاج قطار ركاب قادم من محطة الدمام باتجاه محطة الهفوف عام 1950م مفتش يجمع تذاكر المسافرين في القطار المتجه للهفوف عام 1372ه بداية إنطلاقة قطار الحجاز عام 1326ه تثبيت قضبان سكة الحديد للقطار بين الرياض والدمام عام 1370ه قطار الرياض - الدمام مسار سكة قطار الحجاز قديماً وصول أحد القطارات الحديثة لسكة قطار الشمال